الوطن العربي

 

الأحد 19 تشرين الثاني1967

 

يمتد الوطن العربي على مساحة شاسعة من الأرض لا تضاهيها من حيث أهمية موقعها أرض أي وطن من الأوطان الأخرى. فهي تطل على أواسط أفريقيا في الوقت الذي لا تبعد فيه كثيرا عن أواسط آسيا. وتلامس من جهة سفوح القفقاس بينما تمتد من الجهة المقابلة لتصل الى مشارف بحيرة فكتوريا في خط يقع في منتصف المسافة بين البحر الأبيض المتوسط ورأس الرجاء الصالح في أقصى جنوبي أفريقيا. وتطل على محيطين و بحرين وبشواطئ يقرب طولها من طول نصف طول الكرة الأرضية: تطل على المحيط الأطلسي و المحيط الهندي و البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر الذي هو بحر عربي بكل شواطئه تقريبا. و يقع الوطن العربي بين أوروبا و العالمين الآسوي والأفريقي و فيه الممرين البحريين العالميين مضيق جبل طارق و قناة السويس مع كل الموانئ البحرية و الجوية العديدة الواقعة على عدد كبيلر من خطوط المواصلات العالمية. ويجسد الوطن العربي بثرواته الزراعية والمعدنية والبترولية، وبقوى العمل الإنساني التي يمكن استنزافها من مائة مليون عربي منجما هائلا من الثروات و القيم يخطف ببريقه أبصار الإحتكاريين العالميين. و لسنا هنا في مجال تفصيل القيم الإقتصادية لوطننا الكبير, و يكفينا للدلالة على مدى اهتمام المستعمرين بثرواتنا أن نضع أمام القارئ العبارة التالية التي كتبتها الموسوعة الإنجليزية بريتانيكا التي تنطق بلسان الرأس مالية الإحتكارية عن صنف واحد من ثرواتنا . عندما تكلمت عن البترول, القوة المحركة للحضارة الحديثة في المجلد (17) صفحة 665 .

"لقد انقلب ميزان السوق العالمي باحتياطي الشرق الأوسط من البترول الذي يبلغ 93ملسارا 365 مليون برميل أي ما يزيد عن 60 بالمائة من مجمل الاحتياطي العالمي  (ولقد قدر ولاس برات العالم الجيولوجي الأميركي في أوائل عام 1956 هذا الرقم بـ 121مليارا و700مليون برميل أي حوالي 70 بالمائة من مجمل تقديره الاحتياطي العالمي البالغ 172مليارا و100مليون برميل)."

فالعالم العربي جزء بالغ الأهمية من العالم النامي وله في مخططات المستعمرين اعتبار خطير من الدرجة الأولى، وانتصار حركة التحرر الوطني فيه انتصاراجذريا بفصله عن شبكة الرأسمالية العالمية يعني :

أولا - انفراط عقد الشبكة الآنفة الذكر في منطقة ستراتيجية خطيرة تفصل العالم النامي في أفريقيا وآسيا عن العالم المتقدم في أوروبا  أميركا. وبهذا تصبح بقايا شبكة الرأسمالية العالمية محصورة تقريبا بالعالم الجديد، عالم الاشتراكية مما يضلعف أضعافا مضاعفة شدة حركات التحرر الوطني فيما بقي من العالم الرأسمالي مع صعوبات المستعمرين والرجعية في هذا العالم .

ثانيا - حرمان الاحتكاريين من ساحة مترامية الأطراف لممارسة أعمال النهب والقرصنة، الأمر الذي ينقص دخلهم من الثروات والقيم ويضعف قواهم المادية .

ثالثا - حرمان الاحتكاريين من منطقة ستراتيجية عسكرية يحاصرون بها كلا من العالم النامي والعالم الاشتراكي .

فلهذه الأسباب وغيرها نجد أن الاستعمار فعل ويفعل كل ما بوسعه لصيانة وتعميق كل ما أورثتنا اياه عهود التخلف من تمزق في بلادنا ومجتمعنا. وهو لكي يضمن سيطرته علينا يعتمد على القوى التالية وعلى غيرها من القوى فينسق عملها بهذا الشكل أو ذاك على حسب الظروف :

-ان ما تراكم من رجعيات متنافرة بطبيعتها كرجعيات، وبنوعياتها المختلفة بعهودها التاريخية مع ما يبرز بين شقوق هذه الرجعيات من كل أنواع الانتهازية يشكل مرتكزا هاما لتشتيت قوى الوطن العربي في الأقطار العربية ولتأخير تقدمه وتحرره في كل قطر.

- أمام ضعف الرجعية العربية وتصاعد قوى الجماهير الكادحة المتعطشة الى انهاء حالة التخلف والتبعية وجد المستعمرون أن لا بد من الامعان في تمزيق وطننا العربي فطوروا الوطن القومي الصهيوني الى دولة صهيونية تشطر أرضنا الى شطرين منفصلين عن بعضهما البعض. وهذه الدولة التي هي اسرائيل تشكل قاعدة من نوع خاص يستخدمها الاستعمار الحديث لاستنزاف قوانا المادية في مكافحتها ولنقع باستمرار تحت وطأة تهديدها فنتردد في توجيه كل نضالنا نحو العوائق الداخلية للتقدم، وبالقيام بالعدوان علينا من وقت الى آخر عندما تجد في بلادنا الأخطار التي تهدد مشاريع هذا الاستعمار. ثم ان هذه القاعدة الخاصة لها ميزة هامة هي كونها مموهة أمام العالم تحت شكل دولة وشعب، الأمر الذي يمكن المستعمرين من شن العدوان علينا وهم         مختبئون وراءها: في العدوان الأخير علينا لايقف الأميركان في الأمم المتحدة كمتهمين مع أنهم هم الذين دبروا هذا العدوان بمسلعدة كل من الدولتين الاستعماريتين الأخيرتين ألمانيا الغربية وبريطانيا، مما ساعد هؤلاء المستعمرين على استعمال هذا الجهاز الدولي ضدنا نحن ضحية العدوان. يضاف الى هذا أن قاعدة العدوان الآنفة الذكر تتمكن من الاستفادة مما حل باليهود على أيدي النازيين الألمان من اضطهاد وتقتيل لاكتساب عطف الرأي العام العالمي ضد العرب بحشر الحركة الصهيونية -الاستعمارية في الحركة التقدمية العالمية بحجة الدفاع عن اليهود "المضطهدين". ولسنا هنا بحاجة الى القيام بدراسة عن مدى نشاط الحركة الصهيونية في العالم . فقد كتب في هذا الموضوع الكثير من الابحاث فأصبح بمثابة الأمر البديهي. الا أنه من المفيد أن نورد العبارات التالية لمراسل جريدة "الثورة"الدمشقية في ايطاليا من رسالة نشرتها هذه الجريدة في عددها الصادر في 31 تشرين الأول عام 1967 :

" في 21- 10 - 1967 دعى الاتحاد الوطني لطلبة سورية - فرع ايطاليا - الى مؤتمر أقامته دار الثقافة في ميلانو وقد تشكل وفد الاتحاد وذهب كمراقب في المؤتمر وقد لوحظ أن وجهات النظر تكاد تكون واحدة: كلهم يهاجمون ديان وأشكول وايبان، ثم يعودون فيرددون بالضبط ما يقوله حكامهم، الاعتراف باسرائيل، حرية الملاحة في قناة السويس، خليج العقبة ملك لهم الخ ..كما لوحظ بأن هذا المؤتمر وعن طريق المندوبين القادمين من اسرائيل، المندوبين "الاشتراكيين والشيوعيين" يحاول تشويه الوجه التقدمي الاشتراكي العربي ويحاول تمييع مواقفه الصلبة أمام الرأي العام الايطالي... وفي مؤسسات أخرى نجد أن دولة  شذاذ الآفاق تدفع الأموال الطائلة وترسل المندوبين والممثلين المناسبين لكل حزب من الأحزاب ليتكلموا حسب منطق كل منها .. فتارة باسم الاشتراكية والشيوعية وطورا من وراء واجهة أحزاب دينية متعصبة وضد الاشتراكية".

ومن الطبيعي أن لايستطيع الاستعمار العالمي أن يدافع عن قواعده الكلاسيكية أمام الرأي العام العالمي بهذه السهولة التي نصادفها في مثل هذه المؤتمرات عندما يأتي مندوبو اسرائيل كمندوبي " دولة وشعب "، لاتستطيع أميركا مثلا أن ترسل مندوبين  "اشتراكيين" و "شيوعيين" عن قاعدة غوانتانامو في كوبا الى مؤتمر كمؤتمر ميلانو الآنف الذكر في الوقت الذي تؤدي فيه اسرائيل ذات الدور العدواني الذي تؤديه تلك القاعدة الأميركية الكلاسيكية في شبكة الرأسمالية العالمية ومن هنا تلمس الأهمية الفائقة لمثل هذه القاعدة الخاصة في مخططات الاستعماريين العدوانية .

- أقام المستعمرون في البلاد العربية الكثيرمن القواعد العسكرية الكلاسيكية وخصصوا الأساطيل البحرية لتجوب بدون انقطاع مياه البحر الأبيض المتوسط قرب شواطئنا و"لتزور" موانئنا عند كل أزمة من الأزمات التي تقع في بلادنا: زيارات الأسطول السادس مثلا لميناء بيروت.

- هنالك قوات حلف الأطلسي في أوروبا التي استخدمها المستعمرون أكثر من مرة ضدنا: العدوان على قناة السويس عام 1956 ونزول القوات الأميركية في لبنان والقوات الانجليزية في الأردن في ثورة 14 تموز 1958وتدخل هذا الحلف لقمع ثورة الجزائر .

- أقام المستعمرون"حلف بغداد السنتو" بعد سقوطه اثر ثورة الذي خلفه "حلف ثورة 14 تموز" الآنفة الذكر وذلك: لتهديد وقمع حركات التحررالوطني في بلاد منطقة الحلف العربية . ولقمع حركات التحرر الوطني في البلاد النامية المشتركة بالحلف. ولاتمام حلقة الحصار العالمي حول البلاد الاشتراكية.

- غطى المستعمرون وطننا العربي بشبكة من قواعد التجسس والتخريب والدس والتآمر على كل حكم ينتهج سياسة معادية للاستعمار في بلادنا. وتنشط هذه القواعد في الأوساط الرجعية لحبك المؤامرات كما تنشط في الأوساط التقدمية للتخريب والتجسس وذلك بكل ما جهزها به الاستعمار من امكانيات مادية : تشكل السفارات الاستعمارية مثلا في كل بلد عربي وعلى رأسها السفارات الأميركية مع فروع الاحتكارات العالمية في بلادنا، خاصة منها فروع احتكارات النفط التي تقوم باستخراج النفط العربي ونقله الى الأسواق العالمية. نقول تشكل كل هذه المؤسسات أهم قواعد انطلاق الجواسيس والمحرضين والمخربين .

هذه هي القوى الاساسية التي يجب ان نعد لها مانستطيع لنتغلب عليها. انها بعض اذرع الرأسمالية العالمية المنتشرة في كل انحاء العالم الرأسمالي وعلينا ان نستأصلها من جذورها لنتخلص من التخلف. وهنا تبرز امامنا القضية التالية: نحن شعب نام لانملك في الواقع ما تملكه الدول الاستعمارية من امكانيات مادية فكيف نعوض هذه الامكانيات التي تفتقر اليها عندما نجابه تلك القوى الاستعملرية؟  كثيرا مابحثت ونوقشت هذه القضية في مختلف الظروف التي مرت بنا وبمختلف الاشكال، الا أن الاجوبة عليها كانت في اكثر الاحيان بعيدة عن واقع الحياة الذي نحياه . فنحن كما قلنا شعب نام وما فترنا لحظة عن النضال والكفاح ضد جميع اعدائنا للحصول على حقوقنا المسلوبة التي من اهمها حقنا في ان نقرر مصيرنا بأنفسنا دون تدخل في شؤوننا الداخلية من اية جهة كانت وفي اي ظرف كان. هذه الحياة التي عشناها ونعيشها وهي حياة شاقة وصعبة على المكافحين. الا ان الكفاح بجميع اشكاله هو الوسيلة الوحيدة التي يعوض بها المتخلف المقهور مايفتقر اليه من الوسائل المادية عندما يجابه المستعمر بكل ما يملكه من قوى مادية، وهو ايضا في ظروف ملائمة الوسيلة التي لاتقهر ابدا عندما يتصاعد ليبلغ الاشكال الثورية التي تفجر طاقات الشعب الهائلة التي لاتحصى .. نقول الوسيلة التي لاتقهر ابدا لان المستعمر الظالم وان ملك الكثير من من القوى المادية فانه يبقى مذموما مدحورا حتى من قبل شعب بلده المقهور ايضا بظلمه ، فلا يستطيع اذن ان يفجر اية طاقة شريفة في هذا الشعب، بالاضافة الى انه يقاتل بعيدا عن ارضه في ارض الغير بسبب عدوانيته فلا يستطيع ان ينقل الى ساحة القتال كل مايمكن ان تبدعه الجماهير من اساليب المقاومة ان كان ثمة لديه جماهير تبدع للعدوان. ثم ان على المعتدي ان يتورط بمشاكل لاتنتهي لاعداد ونقل قواه من بلده الى بلاد الغير، وعندما تحسن ضحيته تنظيم مكافحته وتكون في ظروف مادية كافية فان مايمكنه نقله من قوى الى ارض هذه الضحية يصبح محصورا بكل انواع الشر التي تنبع من حوله ومن تحته. ولابد عندئذ  من ان تستنزف قواه مهما بلغ مداها وغناها، ولابد عندئذ من ان تتحطم عدوانيته في ارض القتال وفي بلده حيث يثور عليه شعبه المتحمل الاول لأعباء العدوان. وعندما تكون ارض الضحية كأرض الوطن العربي الواسعة الارجاء بكل ما فيها من طاقات كبيرة وعديدة يمكن ةوضعها زمنا طويلا جدا في وجه المعتدي، وعندما يكون المعتدي دولة كالولايات المتحدة الامريكية تبوء دوما بغضب ولعنة جميع الشعوب لعدوانيتها فهي لذلك معرضة لتوزيع قواها هنا وهناك في جميع انحاء العالم الرأسمالي ، فان كفاح امتنا ضدها لابد منته الى النصر فيما اذا احسن تنظيمه وحشدت له كل طاقاتنا، وفيما اذا صبرنا عليه الزمن الكافي

وما انتظر ضعيف مقهور أبدا أن تبلغ قوته المادية سوية قوة ظالمه ليبدأ مقاومته لهذا الظالم.والا لما تخلص أبدا ضعيف من براثن قوي على مدى التاريخ.وما دام الضعيف في براثن القوي فان تقدمه المادي يبقى معرقلا فلا يستطيع اذن أن يبلغ سوية ظالمه المادية ليحشد مثله قوى عالية التكنيك تتغلب عليه أو تكافئه على الأقل. فلا جدوى اذن للضعيف من الانتظار ليقاوم عدوان القوي بحجة تنمية قواه "تكنيكيا"، لأن هذه التنمية لا تتحقق ولا تتم الا على دروب التجربة، دروب الكفاح.وهنا يتبين لنا بجلاء الخطأ الكبير الذي وقع فيه بعض "الستراتيجيين" العرب عندما قالوا أن على أمتنا أن تعد جيشا قوامه 120 فرقة للقضاء على اسرائيل وذلك بحجة أن المعركة الدائرة بيننا وبين هذه القاعدة العدوانية هي في الواقعمعركة بيننا وبين الولايات المتحدة الأميركية وكل الاستعمار العالمي فيجب اذن أن نتوقع الاشتباك المباشر مع هذه القوى الاستعمارية عندما نشتبك مع اسرائيل.وكأن الدنيا ستنتظرنا ريثما نقوم باعداد هذا الجيش الكبير فلا يتآمر علينا الاستعمار ولا تتآمر علينا الرجعية لتخريب كل مانبنيه بين الفينة والفينة. ثم ان اعداد مثل هذا الجيش الكبير يتطلب اعداد صناعة ثقيلة تضعنا في مصاف أرقى الأمم الصناعية . الأمر الذي نطمح اليه ونكافح لتوفير ظروف بنائه للتخلص من التخلف.أي أن القائلين بهذه النظرية يقولون لنا عمليا: انتظروا لنبلغ سوية المستعمرين المادية وعندئذ نبدأ بمكافحتهم للتخلص منهم!..لكن كيف نبلغ هذه السوية دون أن نكافح ونقاتل كل هذه القوى الرجعية العالمية والمحلية؟ كيف نبلغ هذه السوية دون أن نكافح ونقاتل للنحرر من شبكة الرأسمالية العالمية ونلتحق بشبكة الاشتراكية العالمية،السبيل الوحيد لبلد متخلف ليتقدم الى سوية المتقدمين؟ وعندما يبلغ رقينا المادي هذه الدرجة هل تبقى لدينا حاجة للنضال والكفاح من أجل الحرية التامة التي نكون قد بلغناها عندئذ؟ أما اذا كان هذا الجيش المقترح سيقوم على التمون من الأمم الصناعية الراقية ليحصل على معظم احتياجاته من معدات فنية وأسلحة فانه يترتب علينا عندئذ أن نستأجر كل أساطيل النقل في العالم لسد هذه الاحتياجات!.. اننا بمثل هذه النظريات المحزنة نقع في عالم الخيالات والأوهام. أما الكفاح فيبدأ دوما بما لدى الضحية من وسائل جاهزة. وهذه الوسائل بذاتها تتطور وترتقي بجسب الاحتياجات المفروضة على الضحية بتصاعد الكفاح وتطوره.

ومما لا ريب فيه أن طور الاستقلال السياسي الذي بلغه الوطن العربي بكفاح شعبنا في كل أقطاره حقق له -كما تحقق لكل الشعوب النامية- مكاسب لا يستهان بها أبدا. انها مكاسب الشعوب المستضعفة في مرحلة تحول الجملة الانسانية الى الاشتراكية. وان امكانية إقامة جهاز دولة وطني يخدم مصالح الشعب بقيادة حركة التحرر الوطني في هذه المرحلة مع كل ما يتبع هذا الجهاز من قوى عسكرية نظامية وأجهزة أمن واقتصاد وسياسة الخ...هي في طليعة المكاسب الآنفة الذكر، الا أن علينا أن لانقع في الأوهام فنستخدم أجهزة الدولة بذات الكيفية التي تستخدمها بها الدول المتقدمة القوية.ذلك لأنه لا بد لنا من أن نكيف هذه الأجهزة لتتكيف مع ظروف تخلفنا وظروف امكانية وقوع العدوان علينا في كل آن: ان جيوشنا مثلا مع الأجهزة الأخرى للدولة يجب أن تكون من المرونةبحيث يمكنها أن تخوض معارك الدفاع عن الوطن بانسجام تام مع القوى الشعبية المسلحة مع استمرار كل النشاطات اللازمة لإدامة حياة المجتمع وإدامة مقاومة الشعب الى أطول مدة لازمة للحصول على النصر النهائي. الأمر الذي يتطلب عناية كبيرة في تنظيم وتنسيق جميع قوى المقاومة: من العسكرية النظامية الى كل قوة يمكن أن يفجرها الشعب في وجه المعتدين الغاصبين لتخليص أرض الوطن من براثنهم.

وان تحرير الأقطار العربية بفصلها عن شبكة الرأسمالية العالمية واقامة العلاقات الاشتراكية فيها عملية واحدة وليست عمليات بعدد الأقطار العربية: كل عملية انفصال قطر عن شبكة الرأسمالية العالمية تشكل جزءا من من العملية العامة للإنفصال الوطني العربي بكليته عن هذه الشبكة، العملية التي ستنتهي حتما بقيام الدولة العربية الاشتراكية الكبرى على جميع أراضي الوطن العربي بما فيا الأرض المغتصبة وفي طليعتها فلسطين المحتلة. وان كل حركة تحرر تقوم على أرض وطننا الكبير لاتستهدف في خطها النضالي تحقيق وحدة التراب العربي في الدولة الآنفة الذكر هي حركة مبتورة وان كانت مفيدة في مكافحتها الاستعمار قبل تحقيق تلك الدولة العربية الاشتراكية الكبرى عندما تكون تقدمية بالنسبة للقطر الذي تقوم فيه. والوحدة العربية ليست مجرد قضية وجدانية بل هي ضرورة اقتصادية وانسانية: ضرورة اقتصادية بسبب تكامل أقطار الوطن العربي اقتصاديا، وضرورة انسانية لأن الأمة العربية تامة التكوين على أرض الوطن العربي وعليها نصيب كبير من البء الملقى على عاتق الانسانية في المرحلة التاريخية الحالية من عبء التخلص نهائيا من الرأسمالية الاحتكارية، آخر أنظمة القهر والظلم. الا أن تحقق الوحدة العربية الاشتراكية لا يكون الا بنضال الكادحين العرب وكفاحهم وثوراتهم ضد الاستعمار العالمي وضد كل أنواع الرجعية والانتهازية، ولا يكون أبدا بانتظار تمام التحول العالمي الى الاشتراكية بفضل هذه الدولة الاشتراكيةأو تلك أو بفضل انهيار النظام الرأسمالي في العالم من تلقاء ذاته لأن هذا الانهيار مرتبط بكفاح الشعوب وخاصة منها شعبنا العربي.