العسكرية الصهيونية

بعد حرب تشرين

 

 

الفريق عفيف البزري

 

1981 ميلادي- 1402 هجري

 


 

مقدمة

 

  في أواخر العام الماضي أعلن المسؤولون العسكريون الأميركان عن أن قوة التدخل العسكري في منطقة الخليج جاهزة للعمل في أي وقت يُطلب منها ذلك. وكان هذا بعد جهود محمومة قامت بها هذه الإمبريالية لبناء وجود عسكري في منطقة المحيط الهندي كلّفها عشرات المليارات من الدولارات ثمنا لإقامة القواعد العسكرية، وتكوين الأساطيل الجوية والبحرية، وحشد الأسلحة الصاروخية النووية في القواعد المذكورة لا سيما منها: دييغوغارسيا، وكوكبورن ساوند في أستراليا (التي سببت مؤخرا مظاهرات الاحتجاج على وجود اليانكي مع أسلحتهم الذرية هناك)، وسنغافورة وغيرها. ولا يعني هذا أن أميركا لم تكن موجودة في المحيط الهندي قبل هذه السنين الأخيرة، لقد كان لها وجود قوي هناك، إلا أنه كان يعتمد على المستعمرين القدماء البريطانيين والفرنسيين، وعلى ما لديهم من قواعد من أيام الاستعمار القديم، وعلى رجعيات المنطقة، وعلى الأخص منها نظام الشاه المباد الذي كان يقوم بدور الحارس الأول للنظام الإمبريالي العالمي في الخليج، وكان أحد العقد الأساسية في شبكة الإمبريالية المذكورة المنشورة على المحيط الهندي، إلى جانب العقد الأساسية الأخرى في هذه الشبكة التي هي: إسرائيل، وجنوب أفريقيا، وأستراليا. ولكن انهيار نظام الشاه أصاب تلك الشبكة بتلف بليغ كاد أن يودي بها: إن الأهمية الأولى والحاسمة لمسرح المحيط الهندي بالنسبة للدول الرأسمالية الاحتكارية هو نفط الخليج، وكان الشاه يحرس آبار النفط مباشرة، أما إسرائيل وجنوب أفريقيا واستراليا فهي طرقات النفط البحرية، وعندما تنحسر شبكة الاحتكاريين عن آبار النفط، فإن الطرقات إليها والقواعد على هذه الطرقات تفقد قيمتها. لذلك رأينا الإمبريالية الأميركية لا تتأخر كثيرا لتأتي هي بذاتها للحلول مكان نظام الشاه كقوة قمع استعماري مباشر، مع أنها لو بقيت الظروف على ما كانت عليه كانت تفضل العمل من وراء ستار الرجعيات التي كانت تكفيها مؤونة مواجهة الشعوب وتؤمن لها ما تود نهبه من ثروات وقيم.

 

إن الصهيونية وقاعدتها إسرائيل تطمحان دوما إلى "تعهّد" أمر النظام الاستعماري الأميركي في كل المنطقة العربية، وعلى الأخص منها منطقة خليج النفط. وهذه التمنيات لا تخلو من أهداف إمبريالية خاصة بالصهاينة ترمي إلى "سحب البساط من تحت شركائهم الإمبرياليين الآخرين، والانفراد بالتحكم بذلك الاحتياطي النفطي الهائل". وهذا هو بالضبط ما يؤول إليه شعار: من النيل إلى الفرات، وشعار منطقة الأقليات التي أقواها الأقلية الإسرائيلية وما شابه من شعارات. يُضاف إلى هذا تلك العنجهية التي لا تعرف الحدود التي يقف عندها العقلاء من بني الإنسان. فالصهيونية على ما اشتهر عنها في الماضي من دهاء وخبث بتفضيلها العمل من وراء ستار، رأت على ما يبدو أن تنبذ تلك القواعد "العاقلة" للعمل، فرفعت عن وجهها أقنعة الحياء والتواضع والتعقل الكاذبة وصعّدت وقاحتها إلى درجة دفع أحد قادتها كيسنجر ليتبوأ مركز الرجل الثاني في الدولة المتزعمة للنظام الإمبريالي العالمي، منتهزة لذلك ضعف رئيس هذه الدولة نيكسون وغرقه بالمخالفات والرشاوى. وكان ذلك لأنها وراء ما أطلقت عليه في هذا البحث اسم "هدف الأهداف" وهو: السيطرة على العالم العربي وتسخيره لأغراض الصهيونية وإسرائيل.

 

  ولا يعني قيام الوجود الأميركي الجديد في المحيط الهندي، وقيام قوته العسكرية للتدخل المباشر في منطقة الخليج، أن الصهيونية قد عجزت وقصرت عن بلوغ ذلك الهدف ( وهو "تعهّد" حراسة خليج النفط) فأتت لذلك الولايات المتحدة الأميركية لتقوم بذاتها بدور الحراسة. بل إن هذا يعني أن إسرائيل وأوضاعها الراهنة لم تنضج بعد لمثل هذه المهمة على الرغم من قيام الحكم الخائن في مصر. كما أنه ليس هنالك ما يمنع استمرار محاولات العدو للسير وراء الهدف تحت مظلة الوجود الأميركي الجديد في المنطقة.

 

  ولكن  الذي يبعث على التساؤل هو سكوت الأنظمة العربية على هذه التظاهرة العدوانية البينة، فلم نسمع مثلا أي صوت احتجاج عليها وكأنها تجري على كوكب آخر غير الأرض. ولعل قيام حكم السادات بالاشتراك في مناورات عسكرية على أرض مصر مع قوة العدوان الأميركية المذكورة، جعل من السكوت على هذا التهديد الخطير لأمن بلادنا عملا "وطنيا" بالنسبة إلى الموقف الخياني للسادات.. لقد كان بالإمكان على الأقل الذهاب إلى الأمم المتحدة لمحاولة وضع حد قانوني لذلك الادعاء الوقح للأميركان بأن لهم مصالح في بلاد الغير تتبدى على مصالح سيادة واستقلال هذه البلاد، وبذلك تبرهن أنظمتنا بأضعف الوسائل على أنها تغار على تراب الوطن من أن تدنسه قطعان المتوحشين الأميركان أصحاب السوابق العديدة المخزية في إبادة الشعوب والعدوان عليها. ولكني أقول أن قطع اليد الأميركية مع كل ما فيها من أصابع وأظفار قذرة إسرائيلية وساداتية ورجعية خائنة وانتهازية وجهل وحماقة الخ.. سيكون من شأن الثورة العربية الكبرى التي ستطهّر أرضنا وتوحدنا في نظام واحد كبير بدلا من عشرين.

 

                                                                عفيف البزري