العسكرية الصهيونية

بعد حرب تشرين

 

 

الفريق عفيف البزري

 

1981 ميلادي- 1402 هجري

 

  إن النظر إلى قوى العدو الإسرائيلي الجاهزة وبمقارنتها بما لدينا لمواجهتها أمور لا غنى عنها بالبداهة. فهذه القوى تشكل في الواقع التهديد الماثل لأمتنا ولا بد من تتبع تطورها عن قرب. ولكن هذا لا يكفي للحصول على تقدير صحيح للموقف العام التقدير الذي تقوم عليه كل عقيدة صحيحة تنبع منها استراتيجية فعّالة تحكم كل تصرفاتنا للإعداد للعدو. ولا بد من النظر إلى المنابع التي كونت تلك القوى المعادية، بعين العصر القائم، عصر الإمبريالية العالمية الموحدة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي علينا أن نوجه انتباهنا إلى موقع العدو المذكور من هذا النظام الإمبريالي العالمي وارتباطاته به. لأننا لا نجابه هذا العدو إلا لأننا نجابه ذلك النظام الذي أتي به إلى أرضنا وإلاّ هل من المعقول أن نصدّق في هذا العصر أن السماء "تمطر" وعودا تسوق بشرا بعشرات الألوف من مختلف أصقاع الدنيا ومختلف الأجناس إلى أرض "موعودة" ثم لا نرى كل تلك الجهود التي بذلتها وتبذلها الإمبريالية الأميركية- الصهيونية لإقامة هذا الكيان وتوطيد أركانه بمدّه بسيل لا ينقطع من أسباب القوة.. إن إسرائيل مثلا استوردت في العقد الماضي (1970-1979) من أميركا معدات عسكرية بقيمة 14.30مليار دولار دفعت منها أميركا مبلغ 13.1مليار دولار*[1] فتلك القوى الجاهزة للعدو الصهيوني ما هي إذن إلا طليعة النظام الإمبريالي العالمي تجاهنا، أما ينابيعها ومؤخراتها فقائمة في كل ما يحيط بنا من قواعد ذلك النظام المشؤوم، لا سيما منها ترسانات وصانع الاحتكاريين الأميركان. ولا بد من أخذ هذا الأمر في الحسبان لتكون نتائج تصدينا لها (للقوى المذكورة) مكافئة أو مشابهة لتلك النتائج التي حصل عليها قبلنا مكافحون كالفيتناميين قهروا المستعمرين الأميركان ووضعوا أنوفهم في الرغام بقليل (نسبيا) من الزاد المادي وبكثير من الوعي والحصافة في استعمال هذا الزاد وتوجيهه الوجهة الصحيحة..

 

  إن إغفال مواقع القوى المتصارعة في هذا العصر من النظام العالمي عند دراسة موازينها هو عودة إلى زمن الحروب النابليونية وإلى ما قبله من أزمنة، عندما كانت كل دولة تدبر أمورها العسكرية بما كان يتيسر لها ويحضر من إمكانات مادية ذاتية، ويزداد البعد عن الواقع والتيه في أشباه الحقائق عندما تغفل عن طبيعة العدو الذي نجابهه. فنضفي مثلا صفات الدولة على قاعدة زوّرها الاستعمار في أرض سليبة بشكل دولة. ففرنسا مثلا الدولة التي تقوم فيها معظم مؤخرات قواها المادية لا يمكن النظر إليها في هذا العصر بمعزل عن النظام الاحتكاري العالمي. ولا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار كون قواها المادية المذكورة جزءا عضويا لا يمكن فصله عن القوة الكلية لذلك النظام العالمي دون تغيير خواصه الأساسية الواقعية. أما إسرائيل التي لا تعيش إلا بتلك المليارات التي تنصب عليها من الإمبرياليين للقيام بدور كلب الحراسة في أغنى مناطق العالم بالمواد الأولية فإنها بعيدة جدا عن أن تبلغ مبلغ فرنسا في الاستقلال بأمورها. يقول الجنرال هاكت الذي شغل فيما سبق منصب معاون رئيس أركان الجيش البريطاني ومنصب قائد القوات البريطانية في حلف الأطلسي:".. طالما أن إسرائيل ملتزمة بالولايات المتحدة الأميركية فإنها لن يكون لها حرية عمل كاملة..طالما أن الولايات المتحدة الأميركية معتمدة على البترول في منطقة الشرق الأوسط فإنها لن تسمح لإسرائيل باستعمال السلاح النووي، وإنها عندما تفعل ذلك سيجف البترول.. إن إسرائيل في الوقت الحاضر لن تستطيع القيام بعمل عسكري سواء أكان بالأسلحة الموجودة لديها أم بالأسلحة الذرية إن وُجدت ما لم تستشر الولايات المتحدة..".*[2]

  إننا لسنا بمعرض الاستخفاف والتهوين من شأن الخطر الإسرائيلي، بل على العكس، نرى أن إسرائيل بهذه الصفة، بصفتها الواقعية أشد نكاية وخطرا علينا[3] من الصفة المزورة الأخرى التي طالما وقعنا فيها وما زلنا نقع، صفة الدولة المستقلة بأمورها التي ألهتنا عن العدو الأصلي الذي هو الولايات المتحدة الأميركية بنظامها الاستعماري العالمي. إننا هنا نود التنبيه إلى تلك اللعبة التي طالت كثيرا، لعبة "الأوراق الثلاثة" التي يمارسها المستعمرون علينا منذ زمن طويل ويساعدهم فيها جمع لا بأس بحجمه من أوباش أمتنا عن جهل أو تجاهل. ونحن دوما بنتيجة الانجرار إلى هذه اللعبة القذرة نقع ولا نرى الورقة الأميركية، وبالتالي ننسى الجسور الجوية الأميركية تحمل إلى إسرائيل في كل حرب خاضتها ضدنا كل ما تحتاجه من أدوات القتل والدمار من أميركا، وننسى مشاركة هذه الدولة برجالها حاملي الجنسية المزدوجة (الإسرائيلية-الأميركية) وبأسلحتها الألكترونية وطيرانها وأقمارها وجواسيسها وأعوانها والرجعيات الخائنة والمتخاذلة الخ.. ثم نصدق كل تلك الصور الزائفة عن قدرات العدو التي هي في الواقع قدرات أميركا، العدو الأصلي الذي لم نهتد بعد إلى طريق منازلته منازلة فييتنامية، أو بالأحرى منازلة عربية حقّة.



[1]  النهار عدد 14/8/1980 عن تقرير وضعه المصرف المركزي الإسرائيلي ونشلاته جريدة الجيروزالم بوست

[2] الحوادث 22/8/1980

 

[3] صرّح رئيس وزراء لإسرائيل ليفي اشكول للصحيفة البريطانية جيوش أوبزرفر قس 9نيسان1965، فقال:" إن إسرائيل تقوم بدور إيجابي في الشرق الأوسط كحصن متقدم للغرب."