إسرائيل والمياه العربية

عفيف البزري

1984

 

انقلاب الظروف بعد الحرب

 

  قلنا أن الصهاينة في ظروف الحرب العالمية الثانية (التي أنهت الطور الرأسمالي الاحتكاري القائم على عدد من الإمبراطوريات العالمية المتناحرة، لصالح إمبريالية متعددة الأطراف موحدة بزعامة الولايات المتحدة الأميركية) اتجهوا نحو هذه الأخيرة التي بدت حينذاك حامية النظام الرأسمالي العالمي وملاذه الأخير. فكثّفوا مساعيهم لانتهاز ظرف ضعف بريطانيا ولجوئها إلى قوة أميركا في الصراع الذي كانت تخوضه، وانتهاز الظرف الآخر أيضا وهو وقوع بلاد الشام جميعها تحت الاحتلال البريطاني، نقول للاستفادة من كل تلك الظروف في دفع أميركا لتضغط على إنكلترا لتمكنهم من نهب المياه العربية من منابعها.  لذلك برز مشروع لودرميلك، والمشاريع الأخرى المتتمة في تلك الأيام، مع النشاط المحموم للصهاينة لوضع تلك المشاريع (الآتية كلها من أميركا، من جهات صهيونية، وجهات رسمية) موضع التنفيذ، بعد أن سكتوا طول فترة الانتداب، عندما لم تكن كل المياه التي تصب على فلسطين أو في جوارها تحت سلطة واحدة تحابيهم، وعندما كانوا أقلية ضئيلة جدا.

 

  لقد كان الصهاينة على عجلة من أمرهم (وما زالوا وسيبقون دوما) فلا يرون العالم وسير التاريخ إلا من زاويتهم البالغة الضيق.  فأميركا ما كان بإمكانها، بين ليلة وضحاها، توحيد الرأسماليين وبناء إمبراطوريتها العالمية الموحدة بزعامتها. فطريقها إلى هذا الهدف معقد كما برهنت الأيام على ذلك، وكانت بحاجة إلى الإقلال ما أمكن من العقبات.  فإذا كانت قد وجدت في الصهيونية أفضل حركة لتجنيد نوع من المرتزقة يلائم الإمبريالية الحديثة (لتجنيد مرتزقة استيطان يبيد ويشرّد ويقهر الشعوب) فيتوفر لها بهم قاعدة قوية في المنطقة.  فإنها كانت في ذلك الوقت مضطرة لأن تسير في هذا الأمر على طريق يلائم مخططاتها.  وما كان من مصلحتها إعلان الحرب باكرا على حليفتها بريطانيا، التي كانت تدرك تماما حينذاك أهدافها وترى بوضوح منافستها فتعمل لذلك، سرا وعلانية، على عرقلة مشاريعها، كي تبقى أطول مدة ممكنة في المنطقة.  ومن جهة أخرى كان على المستعمرين الأميركان أن يصبروا على الاستعمارين البريطاني والفرنسي، كشريكين مؤقتين على طريق تنامي الحركة الوطنية العربية، المدة الكافية لإرساء مرتكزاتهم وقواعدهم.  كما أنه ما كان في مصلحتهم إعلان الحرب على العرب سلفا قبل أن تترسخ أقدامهم في منطقتهم، وقبل ان تستفيد منهم أيضا عندما تأزف الساعة لطرد البريطانيين والفرنسيين من كل أراضي الوطن العربي، لتأتي هي "لملء الفراغ" كما وقع بالفعل في أعقاب طرد كلوب باشا من الأردن، ثم إفلاس الفرنسيين والإنكليز في أعقاب حرب السويس، ووضعهم اليد على ثروات إيران البترولية بعد أن أسقطوا حكم مصدّق الوطني في إيران.

 

  لم تؤد مساعي الصهاينة إلى أية نتيجة فيما يخص الوصول إلى مصادر المياه حول فلسطين، للأسباب الآنفة الذكر. وقامت دول مستقلة في الأقطار العربية المحيطة بفلسطين، في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتوزعت مصادر المياه الآنفة الذكر بين سوريا، ولبنان، والأردن.  ووقع على الأخص "أب مياه فلسطين" كما يسمي الصهاينة جبل حرمون برمته مع الجولان في سوريا ولبنان، ثم وقعت النكبة وقامت إسرائيل.  وامتد الكفاح المسلح للعرب من فلسطين، للم شمل مصر وسوريا والأردن، التي غدت حدودها هدف العدوان المستمر من قبل إسرائيل.  وأخذ سعي الصهاينة للوصول إلى المصادر العربية للمياه شكلا جديدا حاولوا من خلاله الحصول على اعتراف الدول العربية بكيانهم في الأرض المغتصبة من خلال شركة مياه تقوم بينهم وبين كل من سوريا، والأردن، ولبنان.  وكانت وسائلهم في هذا، إلى جانب الابتزاز بالضغط المستمر على الحدود العربية بهجماتهم العدوانية، تستند أساسا على العون الاستعماري الأميركي للإحاطة بمجتمعاتنا، واحتواء تقدمها، بنشر عدم الاستقرار فيها، على غرار ما كانت (وما تزال) تفعله الولايات المتحدة الأميركية في دول أميركا اللاتينية.  فكانت تلك الدولة مثلا، تحت مختلف الأقنعة، والتظاهر بالبراءة الكاذبة، والحياد الخادع، تعمل بأساليبها الماكرة على إثارة التوتر بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتحيك المؤامرات لقطع الطريق على كل ديمقراطية صحيحة تسمح للجماهير بالاستعداد لما يبيت لها من ضربات وكوارث للتوقي منها وردها.  وكانت الرجعية من جهة تعمل لخدمة مخططات الاستعمار الوافد بدافع من عقيدتها بأنها جزء من نظامه العالمي، وذلك بغض النظر وتناسي ما سببه ويسببه لأمتنا من محن وكوارث.  كما كانت من جهة ثانية تسهل بمسلكها وتصرفاتها المشينة مهمة الانتهازيين والدجالين بمختلف أشكالهم وألوانهم في جر كتل الجُهّال لتفرض علينا مساحات يقتصر فيها الكفاح فقط على محاربة الاستعمار الغارب بدلا من توجيه "العناية" أيضا إلى الاستعمار الآخر الذي كان يقبل بوسائل وأساليب لم ير تاريخ القهر مثيلا ( بدلا من توجيه الانتباه إلى الاستعمار الأميركي) بل إن أولئك الانتهازيين كانوا يأخذون بيد الاستعمار لإدخاله في المنطقة "لملء الفراغ، على اعتبار أنه "ليس استعمارا".. وأنه يحارب الاستعمار القديم... نعم لقد كان الأميركان يعملون على تهديم الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، وتكنيس أنقاضها لبناء إمبراطوريتهم العالمية الموحدة.  ولا يحتاج هذا الأمر إلى مواهب استثنائية لرؤيته، فهو ظاهر للعيان بكل جلاء.  ولكن الدجالين الذين تستروا بمحاربة الاستعمار القديم الذي أذاق أمتنا ما أذاقها من ألوان العذاب طوال قرون عديدة، تغاضوا مع ذلك عما كان ينتظرنا على يد الجديد الذي كان يهيئ لنا ما نحن فيه حاليا من قهر وسلب للأوطان وإمعان في تمزيق الشمل.  ولا نستطرد هنا من باب التزيد بالقول واللغو الذي يخرجنا عن موضوعنا الأصلي الذي هو "إسرائيل والمياه العربية".  فنحن هنا في لب الموضوع وجوهره.  وقد سبق أن أشرنا إلى أن مشاريع إسرائيل في الري والكهرباء تشكل الهيكل العظمي القوي الذي لا قيام لها بدونه، كما أنه لا كيان لنا معه في هذه المنطقة.  فحوله تدور رحى المعركة الرئيسية بيننا وبين العدو الإسرائيلي.  وقد تمكن هذا العدو من كسب شق هام من تلك المشاريع.  إلا أنه ما تزال أمامنا كل الفرص لاسترداد ما فقدناه، وستأتي هذه الفرص إن شاء الله باجتماع شملنا لدحر الإمبرياليين اليانكي وطردهم من منطقتنا، لنعود أحرارا في "فراغنا" الذي سوف لن "يرحمنا" فيه أحد من الطفيليين.

 

مشروع جونستون:

 

  إن المغزى الاستعماري لهذا المشروع نجده في حيثياته في العبارتين التاليتين:

" إن بعض نواحي المشروع قد يكون تنفيذها في حكم المستحيل ما لم تُجر تسويات سياسية.  وإن الحدود الوطنية القائمة حاليا تجعل من غير اليسير والمستطاع استغلال مصادر المياه لحوضي اليرموك والأردن إلا إذا تم التعاون بين الدول ذات العلاقة".

 

  ويتضح هنا أن المشروع كان يرمي إلى انتزاع اعتراف بإسرائيل من العرب بإقامة تعاون بينهم وبينها في شركة لاستغلال مياه وادي الأردن.

 

  ويجب أن نشير أيضا إلى جانب هذا، إلى هدف آخر خطير للصهاينة، وهو:

تمكينهم كشركاء من التدخل في شؤون الوادي المذكور مبدئيا.  وعندما نأخذ بعين الاعتبار عدوانية الصهاينة وأطماعهم التي لا تقف عند حد، والتي يتكشف تصاعدها في كل مسلسل تاريخهم العدواني في فلسطين (المسلسل الذي لم يتوقف حتى يومنا هذا) نجد أن المشروع المذكور لم يكن إلا مدخلا، لا إلى الوادي المذكور فحسب وإنما إلى الوطن العربي بكليته ليحققوا "باستسلام الأنظمة العربية" ما عملوا دوما (حتى اليوم) على تحقيقه بالحروب العدوانية: ليحققوا التوسع الذي لا نهاية له في أرض هذا الوطن.  ولكن ماذا تعني كلمة "وادي" من الناحية الطبوغرافية المائية.

 

  قد يساق الفكر بهذا التعبير إلى المجرى الرئيسي للنهر، وضفتيه والمنحدرات المطلة عليه.  والواقع يشكل وادي النهر منطقة هيدروغرافية واحدة، تقوم على جملة مائية مترابطة تشمل كل مصادر المياه من الأمطار والثلوج التي تغذي: النهر وروافده وتفرعاته الطبيعية والسيول التي تصب عليه وعلى روافده وتفرعاته، والينابيع والآبار والمياه الجوفية والأنهار الجوفية. ويحده "خط توزيع المياه المحيطي" الذي تتساقط عليه الأمطار والثلوج فتنقسم عندئذ إلى قسمين: قسم ينحدر إلى الوادي أو يتسرب في طبقاته الجيولوجية، وبالتالي يغذي جملته المائية. والآخر يذهب إلى خارجه.  وهذا الخط يختلف عن خطوط توزيع المياه الداخلية التي تغذي بكليتها جملة الوادي المائية.  فوادي الأردن مثلا يتضمن مبدئيا وديان الروافد بأجمعها: الحاصباني وبانياس ودان واليرموك والزرقاء.  أما خط توزيع المياه الخارجي هنا فيحيط: بالنصف الجنوبي لجبل الشيخ (المحدد تقريبا بخط توزيع المياه المتوسط المار بأعلى قممه والمنحدر على سفحيه الشرقي والغربي) وبالجولان ووعرتي الزاكيّة واللجاة والسفوح الغربية لجبل العرب وسهول حوران ومرج العيون في لبنان وسهل الحولة مع كل المنحدرات المطلة عليه والوادي بين طبريا والبحر الميت مع كل المنحدرات المطلة عليها من الشرق والغرب.  ويضاف إلى هذا وادي الزرقاء المحدد بخطي الذرى على طرفيه، من منابعه في منطقة الزرقاء إلى مصبه في نهر الأردن قرب دامية، ومع روافده أيضا والسيول المنصبة عليه (فعجلون الخصبة وسهول ومنحدرات إربد على الأغوار، كلها من وادي الأردن من الناحية الطبوغرافية ـ المائية). ثم إن الليطاني في لبنان أدخل في المشروع العام لاستثمار المياه في دراسات لاحقة.

 

  وهنا نفهم جيدا معنى "شركة مياه وادي الأردن" التي عرضت لتقوم بيننا وبين إسرائيل.  إنه الأسلوب الأزلي للمستعمرين الرأسماليين الاحتكاريين المرابين، قبل انتهائهم إلى الحسم بالقوة عند الحاجة: اختلاق حقوق كاذبة بالغش القائم على الإصرار في تكرار عرض واحد لا يتغير، بصور وأشكال مختلفة لخداع الضحية. فنجد مثلا، ما ترمي إليه تلك الشركة في مياه الأردن، ذات المطالب في الأراضي العربية، المطالب التي صاغها هربرت صموئيل في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتبنتها المنظمة العالمية لتقدمها إلى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس في 3 شباط 1919.  وقد أعطينا صورة عن هذه "المقترحات" في مطلع هذه الدراسة.  ثم إن مشروع لودرميلك ومتمماته بمقترحات سافاج وهايز، يتضمن في الجوهر ذات الشيء.  أما الشكل الأخير الآنف الذكر فقد صيغ بلغة الاستعمار الأميركي الحديث: ظاهره الرحمة وباطنه العذاب الأليم، البدء بشركة والانتهاء "بطرد" الشريك العربي الأضعف المستسلم "ليذهب" بحسب تعبير لودرميلك الذي مر معنا اعلاه، إلى "الوادي الخصيب فيما بين النهرين"، عندما لا يعجبه العمل كأجير في معامل ومزارع الصهاينة.

 

  وتدفق سيل المشردين من شعبنا الفلسطيني الذي ترك أعزل أمام الضباع الصهاينة الذين ارتكبوا فيه ما يعرفه القاصي والداني من مذابح.  وكان هذا جرحا مزق القلوب في أمتنا، فتصاعد الغضب إلى أقصاه في جماهيرنا في كل أقطارها. وكان جزء كبير من هذا الغضب موجها إلى الأنظمة المتفسخة ركائز الاستعمار. وقد خشي المستعمرون الأميركان مغبة ما ارتكبوه، وخافوا على تلك الأنظمة من الانهيار قبل الأوان الذي يكونون فيه قد أعدوا "البدائل" الجيدة التي تخدم أغراضهم بشكل أفضل من أولئك الرجعيين الحمقى.  فخشوا على الأخص من قيام أنظمة وطنية تقود معركة حقيقية ضدهم وضد امتدادهم الإسرائيلي، في الوقت الذي ما كانوا فيه قد أتموا إرساء كل القواعد اللازمة لإمبراطوريتهم العالمية.  فأخذوا يطرحون المسكنات، وينشرون السراب الخادع هنا وهناك، بمختلف مشاريعهم التي لا تؤدي في النتيجة إلا إلى الزيادة في تشديد قبضتهم علينا، وزيادة تدخلهم في شؤوننا، أو إلى لا شيء، إلى مجرد خداع.  فأقاموا مثلا مؤسسة غوث اللاجئين بواسطة الأمم المتحدة، بعد أن اتخذوا كل الاحتياطات الإدارية والمالية لتعمل هذه المؤسسة بحسب مشيئتهم ومخططاتهم.  وأسسوا مشاريع النقطة الرابعة للتغلغل في الشؤون الداخلية لبلادنا.  وقاموا ببعض دراسات الري في القطر الأردني (الذي توجه إليه معظم سيل المشردين من شعبنا الفلسطيني) كمشروع "يونجر" للنقطة الرابعة ووكالة الغوث، الذي انهار في النتيجة تحت ضغط الصهاينة، وقال الملك حسين في "تأبينه" العبارة التالية: "ليس من المعقول أن يجعلنا العالم الحر نتخلى عن هذا المشروع الداخلي البحت الذي سمح لأكثر من مائة ألف لاجئ اعتبارا من عام 1956 وهم من فقدوا أراضيهم ومساكنهم بسبب الإسرائيليين أن يكسبوا معاشهم ويستعيدوا كرامتهم"*.[1] انتهى قول الملك حسين.  ولكن الشعب الفلسطيني لم يفقد أبدا كرامته كي يكون بحاجة إلى استعادتها، بل العكس من هذا القول، فإن الذي فقد كرامته منذ أن قام كيانه على أشلاء من قتلهم وقهرهم من البشر، من هنود حمر وسمر وأفارقة وآسيويين وعرب، هم أولئك العبيد لشهواتهم ووحشيتهم الذين يسمون أنفسهم بالأحرار، وكذلك مرتزقتهم القتلة الذين جندوهم لذبح وتشريد أهلنا العزّل في فلسطين.

 

  وأتت الفرصة المناسبة لجر الأنظمة العربية إلى مشروع مياه تشترك فيه مع إسرائيل.  فأوعزت الولايات المتحدة الأميركية إلى وكالة غوث اللاجئين بالمبادرة لتقديم دراسة شاملة لري وادي الأردن واستثماره، وذلك دون استشارة أو إعلام أحد من الأطراف ذات العلاقة.  فكتب مدير الوكالة المذكورة "لسلي كارتر" الذي وقع فيما سبق على الاتفاقية المتعلقة بمشروع "بونجر" الآنف الذكر، إلى "هيئة وادي تنيسي" في أواخر عام 1952 بالطلب التالي: " دراسة أفضل الوجوه لاستخدام المياه لصالح المنطقة فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار الحدود السياسية القائمة*[2]. وكانت الهيئة الأميركية المذكورة على اطلاع تام على كل الدراسات السابقة، ولا سيما منها دراسات لودرميلك وسافاج وهايز التي ساهمت فيها كما سبق أن رأينا في هذا البحث.

 

  وانطلاقا من الدراسات السابقة: تقارير ايونبدز عام 1939، ولودرميلك 1943، وسافاج 1945، وهايز 1945و1949، وكلاب 1949، ومكدونالد1950، وبونجر1953، ودون دراسات ميدانية، قدمت مؤسسة مهندسي بوسطن بإدارة المهندس تشارلز ماين بحثا بعنوان: التنمية الموحدة لموارد الماء في منطقة وادي الأردن، وذلك في آذار 1953.  وكان هذا البحث كما هو مفهوم تحت إشراف "هيئة وادي تنسي" التي كان يرأسها حينذاك "جوردون كلاب" الذي ضمن هذا البحث في كتاب له.  ويتضمن البحث الذي سمي "مشروع ماين" وفيما بعد جونستون أحد عشر فصلا هي: الموضوع والقواعد، وموجز، وصفات المياه في المنطقة، المياه الموجودة، الأراضي القابلة للزراعة وحقوق الماء، مشروع تنمية موحدة للوادي، القدرة المائية، مشروع المقارن، نتائج التنمية الموحدة، التكاليف النهائية*[3].

ويتضمن المشروع الأعمال الهندسية التالية:

1ـ خزان على الحاصباني مع منشآت للقوة الكهربائية في لبنان.

2ـ قناة تجمع مياه أنهار بانياس، ودان، والحاصباني في شمال فلسطين، تروي سهل الحولة وأرض بحيرته المجففة. ثم تنحدر عبر الجبل من جسريل إلى بيسان، وهي تروي الأراضي التي تمر بها.

3ـ تقسيم مياه اليرموك بين قناة ري للغور الشرقي، وقناة أخرى تحويلية تصب في بحيرة طبريا. فيقام لذلك خزان في العدسية يفيد أيضا في توليد قوة كهرمائية. ويرفع أيضا السد على بحيرة طبريا لتخرج قناة لري الغور الغربي المحتل وغير المحتل. ومياه هذه القناة تأتي من : اليرموك بزيادة "حصة إسرائيل" منه بمقدار يعادل ما يلزم لري الأراضي غير المحتلة من الغور الغربي، ومما يبقى من مياه الأردن الآتية إلى طبريا من سهل الحولة.

4ـ سد المقارن بارتفاع 58 مترا في المرحلة الأولى، ثم 95 مترا في المرحلة الأخيرة. مع قناة ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية.

  وقد وزعت مياه الأردن واليرموك بالشكل التالي*[4].

1.    لسورية 45 مليون متر مكعب لإرواء مساحة ثلاثين ألف دونم.

2.    للأردن 774 مليون متر مكعب لإرواء 490 دونم.

3.    لإسرائيل 394 مليون متر مكعب لإرواء 416 ألف دونم.

 

إن الأرقام المعطاة في هذا التوزيع هي أرقام كاذبة، كانت الغاية منها إيهام العرب بأن الأردن يحصل على أكبر كمية من المياه.  وما يفهم من المشروع بالذات ينبئنا بأن القطر الأردني لا يحصل إلا على قسم من مياه اليرموك، مع مياه الزرقاء، وشيء من بقايا مياه الأردن (في أيام الأمطار) يضاف إلى هذا أن هنالك 150 مليون متر مكعب تنبع في بحيرة طبريا.  فإذا أخذنا حصة سوريا وهي 45 مليون متر مكعب، وهي بطبيعة الحال مياه تأتي من بانياس، نجد أن ما يبقى لإسرائيل من مياه الوادي السطحية المنتظمة يزيد على 800 مليون متر مكعب (انظر الإحصائيات التي أعطيناها في مطلع هذا البحث، وهي من مصادر صهيونية). ويجب أن نضيف إلى هذه الكمية الكميات الغزيرة الأخرى التي تأتي من المياه الجوفية ومن مياه السيول الشتوية الغزيرة.  وعندما قدم المشروع إلى السلطات الأميركية ، عين الرئيس إيزنهاور إريك جونستون، وهو احتكاري أميركي يرأس عددا من الشركات في بلده، ممثلا شخصيا له برتبة سفير.  وقام هذا المبعوث بعرض المشروع المذكور على كل من لبنان وسوريا والأردن وإسرائيل.  وبهذه المناسبة أصبح المشروع يسمى "مشروع جونستون".  "وعاد إريك جونستون في 14 تشرين الثاني 1953 إلى الشرق مرة ثانية.  وكان هدفه الأول توطين اللاجئين، والتقريب بين العرب وإسرائيل ليقوموا بالعمل المشترك*[5].  وتوطين اللاجئين، يعني بطبيعة الحال إبعاد الفلسطينيين عن أرض وطنهم نهائيا.  وكان يعني أيضا في تلك الأيام الالتفاف حول قرار الأمم المتحدة بحق أولئك "اللاجئين" بالعودة، والسعي إلى إلغائه من الناحية العملية.

 

  والذي يسترعي الانتباه، هو أن جونستون الذي كان يرأس الشركات في بلده، وشغل هناك مركز رئيس غرفة التجارة، ومركز رئيس المجلس الاستشاري الدولي، سبق أن كان في عاصمة القطر الأردني مدير وكالة التعاون الفني.  ومثل هذه النشاطات المتنوعة التي مارسها في بلده وفي المناطق الحساسة في العالم، تكون في العادة غطاء لنشاطات العملاء الكبار في المكتب المركزي للمخابرات الأميركية (سي.آي. إي) الذي كان في ذلك التاريخ حديث التشكيل وفي بدايات نشاطاته الهدامة في العالم.  وكان هذا المبعوث "الفني" لا يتأخر في المناسبات عن استعمال لغة مكتب المخابرات الآنف الذكر.  فعلى أثر شكوى سوريا إلى مجلس الأمن مثلا، تتعلق بانتهاكات ارتكبتها إسرائيل لاتفاقية الهدنة، تمس الأرض المجردة في سهل الحولة، وانتهاك حق سوريا بمياه النهر لإرواء أراضي البطيحة، ألقى جونستون في كانون أول عام 1953 محاضرة بالراديو الأميركي (سي. بي. إس) قال فيها: "إن الولايات المتحدة تأمل بالقضاء على الفقر الذي يتقبل الشيوعية أكثر مما ينفتح إلى مساعدة أميركا المالية" وكان يقصد بكلمته هذه الفلسطينيين الذين تظاهروا ورفضوا المشروع، وطالبوا بالعودة إلى وطنهم.  وهذا بنظر الإمبريالية الأميركية شيوعية.  "فلكي لا يكون الفلسطينيون شيوعيين، برأي اليانكي، عليهم أن يخلوا للصهاينة الأرض بمختلف الأشكال التي من جملتها الموت*[6]...كما أخلاها الهنود الحمر في سالف الزمان..." ولا نعلق على مساعدات دولته، كما لا نستطرد إلى ما تنهبه من ثرواتنا وخاصة منها الثروة النفطية.

 

  والأمر الآخر الذي يسترعي الانتياه هو أن مشروع جونستون تنبأ منذ البداية بأنه سيُرفض من قبل بعض الجهات. إلا أن واضعيه قالوا أنه يكفي أن تقبله جهات أخرى في البدء كي تقوم عمليات التنفيذ.  وكانت الجهة التي رفضته (كذبا وخداعا) إسرائيل، في بادئ الأمر في الوقت الذي لم ترفضه الجهات العربية الرسمية.  بل إن هذه الجهات ساهمت، عندما قُدم إليها "بالتوسع في دراسته".  وسنعود إلى هذه النقطة بعد الملاحظة التالية: رأينا منذ البدء أن هذا المشروع الذي وُضع يإشراف "هيئة وادي التنيسي" (التي أشرفت أيضا على مشروع لودرميلك المشروع الأب لكل مشاريع ري وكهرباء وادي الأردن) هو خلاصة كل المشاريع السابقة، وفيه تتحقق كل الخطوات الأساسية لكل مشروع منها: لقد خلا من كل دراسة ميدانية، كما مر معنا سابقا، واكتفى بما قامت به تلك المشاريع السابقة من دراسات على الأرض.  ورأينا أن معظم تلك المشاريع وضعتها جهات صهيونية أو بإشراف صهيوني، إن لم نقل أن أسسها جميعها كانت من دراسات صهيونية لمسألة ري وكهرباء وادي الأردن.  فلو قُدّر لهذا المشروع أن يُقبل من كل الأطراف، وأن يُنفّذ ما فيه، فإن الأعمال الهندسية التي نص عليها هي ذاتها التي يجب على إسرائيل، في كل الأحوال أن تبدأ بإنجازها لتصل إلى تنفيذ مشروعها بقناة البحر الأبيض المتوسط – بحيرة لوط، وفتحه على مصراعيه، شرقي النهر وغربيه، للتوسع بالهجرة الصهيونية فيه، وجعله قاعدة الانطلاق لاجتياح العالم العربي.  ثم إنها عندما كانت ترفض هذا المشروع، كانت في ذات الوقت تنفذ القسم المخصص لها به، مع عملها على حرمان سورية من الحصة المخصصة لها وهي كما مر معنا أعلاه بحجم 45 مليون متر مكعب من الماء الذي كان قسم كبير منه يروي أراضي البطيحة.  وقد أشرنا أعلاه إلى أن هذا الأمر كان موضوع الشكايات السورية إلى مجلس الأمن في عام 1953.  وقلنا أيضا أن إسرائيل تستولي في الواقع بالمشروع على أكبر حصة، وهي 800 مليون متر مكعب من المياه السطحية المنتظمة، عدا ما ينصب في أقنيتها من المياه الغزيرة للسيول في الشتاء، وعدا المياه والأنهار الجوفية.  لذلك رأينا أن رفضها للمشروع كان كذبا وخداعا، "لتسهيل" أمر قبوله على الأنظمة العربية، فلا تُحرج هذه أمام جماهيرها "ما دام العدو الصهيوني يرفضه"... إن أهمية هذا المشروع بالنسبة للمستعمرين (هدفهم الأوحد منه) هو تلك الشركة بين العرب وإسرائيل التي لا تعني إلا تسليم الأولين بما فرضه عليهم الاستعمار من سلب الجزء الأول من وطنهم، من سلبهم فلسطين. ثم يستمر المسلسل بعد هذا حتى نهايته.  إنه يعني، تحت غطاء المساعدة الكاذبة لمهجّري شعبنا الفلسطيني، تحت غطاء أعمال ري وكهربة لا تؤول في النهاية إلا إلى توسيع هجرة الصهاينة، واقتلاع مهجرينا وتشريدهم مرة ثانية إلى أرض أخرى (إلى مابين النهرين بحسب اقتراح لودرميلك) نقول أنه يعني "تطعيم" المنطقة العربية بالجسم الإسرائيلي، كي يصبح جزءا عضويا منها.  وكان حسابهم (وما يزال) أن ينمو هذا الجسم الغريب باستمرار على حساب العرب، ليبتلعهم في النتيجة في فلسطين وحول فلسطين، ويمزق أمتهم بالأشكال والوسائل الملائمة*.[7]

 

  ولنعد إلى موضوع مساهمة الجهات العربية في "التوسّع بدراسة جونستون" ففي 28 كانون الثاني عام 1954 ألقى جونستون محاضرة في "جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأميركيين" وقال في هذه المحاضرة: إن عرضه مرن، وأن بإمكان الدول العربية التقدم بمقترحاتها، وأن يكون ارتباط كل دولة بالهيئة الدولية فقط (أي به عمليا) فيما يخص تنفيذ مشروعه.  وكان هذا كله شركا ينصب للعرب.  فمساهمة أنظمتهم بدراسة المشروع هو اعتراف به وبإسرائيل.  أما قوله بأنهم لن يجلسوا مع إسرائيل على مائدة واحدة فهو من باب الخداع، لأنهم بمشروعه سيتجسّد ارتباطهم بها على الأرض، وارتباطها بهم، بكل تلك الأعمال الهندسية البالغة الضخامة، وسيكونون جميعا في مشروع اقتصادي واحد يشكل أكثر بكثير من اعتراف سياسي بها.

وقد استجابت الجهات العربية بالأشكال التالية:

1. عرض جونستون مشروعه على الجامعة العربية التي انعقد مجلسها في آذار عام 1954 في القاهرة. وقد أحالت الجامعة دراسة المشروع إلى لجنة فنية.  "فقررت هذه اللجنة أنها تفضّل مشروع بونجر، ورفضت مشروع ماين لأسباب فنية عديدة، وذكرت أن جونستون يقدم مشروعه كوسيلة للتشديد على التعاون بين العرب ولإسرائيل، ذلك التعاون الذي لم يفكر به العرب يوما"*[8].

2. قدم في أواخر نيسان إلى جونستون مشروعان مقابلان لمشروعه:

الأول: وضعه نفر من المهندسين العرب برئاسة المهندس محمد سليم السكرتير العام لمجلس الإنتاج القومي في مصر. وهذا المشروع يشبه بخطوطه العامة مشروع ماين، ويؤدي بالتالي إلى الاعتراف بإسرائيل كدولة مشاركة في المياه العربية، وإن أنقص حصتها من 35% إلى 20% من مياه الوادي الملحوظة في مشروع ماين الآنف الذكر.

الثاني: إسرائيلي، وضعه المهندس الأميركي جوزيف كوتون، الذي أدخل استخدام المياه الجوفية وثلث مياه الليطاني المنتظمة التي ستساق إلى بحيرة طبريا لإيقاف الزيادة في ملوحتها بسبب نزح مياهها، وللاستفادة منها أيضا في الري والكهرباء. وهنا تنقص حصة الأردن من الأراضي المروية فتنخفض من 490 ألف دونم ملحوظة في مشروع جونستون إلى 430 ألف دونم.  ويترك إلى لبنان ما يكفي لإرواء 350 ألف دونم، في الوقت الذي كان المشروع اللبناني لنهر الليطاني وحده (عدا الحاصباني ومرج العيون وغيره) يلحظ إرواء أكثر من 400 ألف دونم، كما رأينا في مطلع هذا البحث. ويعطي مشروع كوتون هذا حق تحويل 75% من مياه الأردن إلى إسرائيل، التي لها الحق أيضا في استعمال المياه أينما شاءت كالنقب مثلا.

 

  وعاد جونستون إلى القاهرة، في النصف الأول من حزيران 1954، وهو يحمل المشاريع الثلاثة. مشروع محمد سليم الآنف الذكر ومشروع كوتون ومشروعه الذي هو مشروع الولايات المتحدة الأميركية.  وكان قبل مجيئه قد أجرى مشاورات مع كل من إيزنهاور رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وهمرشولد الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان في الواقع خادما لأميركا في هذه المنظمة*[9].  وفي هذا الجوهر، ما كان جونستون يحمل إلا مشروعا واحدا هو مشروعه المعدّل في هذا الاتجاه او ذاك. وبعد ثلاثة أيام من المحادثات توصّل إلى وضع أسس اتفاق لقي القبول من جميع الأطراف.  وكتب مراسل التايمز في القاهرة "كنيث لوف" مقالا في 19 حزيران 1954، قال فيه: "قبل العرب مشروعا شاملا لكل الوادي، باعتباره عاجلا وملحّا.  وضمن هذا المشروع استخدام بحيرة طبريا كخزان إضافي على أن يتصل بالخزان الذي ينشأ من إقامة سد على اليرموك المعتبر كخزان أساسي، مع إشراف دولي على أخذ كميات المياه المخصصة.  وقد احتفظوا بكل حقوق اللاجئين (ما شاء الله) مع قبول المساعدة التي سترفع مستوى حياتهم.  وفوق ذلك فقد حدد البيان أن المياه سوف تستخدم داخل حوض نهر الأردن فقط*[10]. انتهى قول مراسل التايمز.

 

  وقبلت إسرائيل بالمشروع، بعد أن أجّلت موضوع الليطاني إلى فرصة مقبلة مع إبدائها الأمل بإمكان شراء قسم من مياه الليطاني من لبنان، أو أن تبادل عليه لقاء قوة كهربائية ترسلها إلى لبنان.

 

3.عاد جونستون إلى الشرق في رحلة ثالثة قصيرة، واجتمع في بيروت بتاريخ 19 شباط 1955 بممثلين عن لبنان وسوريا والأردن ومصر، وأعلن في نهاية الاجتماع عن اتفاق تمهيدي بين المجتمعين.  ثم ذهب في 21 منه إلى إسرائيل وتوصل بعد محادثات مع شاريت إلى مبدأ جعل طبريا كخزان، مع إلغاء خزان البطوف (أي تأجيل إرسال المياه إلى النقب من الخزان الأخير، مع تأجيل البحث في مياه الليطاني الذي كانت إسرائيل تطلبه لتحلية مياه البحيرة، الذي لم يعد له لزوم ما دامت كل المياه العذبة للوادي ستصب فيها).

4. خطت أميركا خطوتها الأخيرة، ففي آب 1955 قال دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة بصدد مشروع جونستون وتوطين اللاجئين: "إن تفاهم العرب والإسرائيليون على تعديل الحدود، فإن الولايات المتحدة الأميركية ستضمن هذه الحدود وستقدم قرضا دوليا للتعويض على الممتلكات التي فقدها العرب في إسرائيل"*.[11] واجتمع وزراء خارجية العرب مرة أخرى في القاهرة بحضور فنيين من كل من مصر وسورية ولبنان والأردن.  وانتهت المداولات بعد ثلاثة أسابيع إلى الموافقة على مشروع جونستون المعدّل الذي يعتبر فيه خزان المقارن الكبير أساسا للمشروع.

 

  ولكن تصاعد مقاومة الرأي العام العربي لمشروع جونستون، واستمرار الحملات الصحفية ضده في سوريا ولبنان، وثورة الجماهير الفلسطينية عليه، إذ قام في الخليل أكثر من 60 ألف لاجئ بالدعوة إلى الصيام عن الطعام احتجاجا على الاستمرار في بحثه من قبل المسؤولين العرب*[12]، كل هذا وغيره انعكس على الأنظمة العربية، وخاصة منها في سوريا التي قامت فيها وزارة الجبهة الوطنية برئاسة المرحوم الأستاذ صبري العسلي.  وانتهى الأمر إلى تجميد المشروع في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر.



[1]  قلق دائم، ص 285. وردت العبارة في بحث غواشون الآنف الذكر.

[2]  غواشون ص99.

[3]  المرجع السابق ص 100.

 

[4]  المرجع السابق.

[5]  المرجع السابق.

[6]  في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر عندما كان اليانكي يقومون بإتمام عملية إبادة الهنود الحمر رفع أولئك المتوحشون الشعار التالي: الهندي الجيد هو الهندي الميـ...

[7]  لقد تشرّفت بالمساهمة بافتتاح المعركة الوطنية في سوريا ضد هذا المشروع. فأموره كانت تدور بالسر وبمعزل عن الجماهير العربية في كل أقطار وطننا. وقد أمدّني المرحوم الدكتور صلاح الدين الطرزي بالمعلومات اللازمة عن المشروع، وبما كان يدور حوله في الخفاء حتى أوائل عام 1954. وأتاح لي المرحوم الأستاذ أحمد علوش  عرض هذا الأمر بملابساته وأهدافه على الرأي العام بعدد من جريدته "الصرخة" خصصه بكليته لهذا الموضوع. وقد تفضّل هذا الإنسان الطيب بتوزيع العدد على الناس مجانا في كل أنحاء قطرنا السوري. وما كان أبدا من الأغنياء، وإنما كانت له ثروة ضخمة من الوطنية والطيب، طيّب الله ثراه. واستمرت الصرخة (مع الصحف السورية الأخرى) تخوض هذه المعركة حتى نهايتها الظافرة.

[8]  غواشون. الآنف الذكر ص 121.

[9]  أتى همرشولد إلى دمشق في خريف عام 1957. وحاول إقناعنا (في اجتماع حضرته في وزارة الخارجية السورية) بتعديل اتفاقية الهدنة ليتسنى لإسرائيل إتمام مشاريعها للري في سهل الحولة. وقدم لنا حجة تتناقض تماما مع ما يجب أن يكون عليه تفكيره كأمين عام للأمم المتحدة، فقال لنا: إن البلى يصيب الاتفاقات الدولية بمرور الزمن. فقلت له: إننا نستغرب قولكم هذا يا سيد همرشولد وأنتم تشغلون منصب الأمين العام للأمم المتحدة. إن المؤرخين حتى اليوم ينتقدون غليوم الثاني لأنه قال قولا مشابها، فنعت معاهدة حياد بلجيكا بورقة بالية مرّ عليها الزمان، وذلك ليبرر اجتياح جيوشه لأراضيها في بدء الحرب العالمية الأولى. وانتهى الاجتماع عند هذا الحد.

[10]  غواشون ص 24.

[11]  غواشون ص 129

[12]  قدّم الحاج أمين الحسيني مذكرة في خمسين صفحة إلى الحكومات العربية في خريف عام 1955، بيّن فيها خطورة مشروع جونستون على مصير القضية الفلسطينية وعلى مستقبل الأمة العربية.