بريطانيا تقيم القاعدة الصهيونية

Text Box: بريطانيا تقيم القاعدة الصهيونية على طريق الهند: إن النظام الرأسمالي العالمي الذي كانت تتزعمه بريطانيا العظمى والدول الاستعمارية الأخرى فقد سيطرته المطلقة في الجملة الإنسانية في أواخر الحرب العالمية الأولى بانتصار الثورة الاشتراكية في روسيا القيصرية وبهذا الأمر الجديد دخلت الجملة الإنسانية في مرحلة انتقال من الطور الرأسمالي المسيطر عالمياً إلى الطور الاشتراكي المنتصر عالمياً وقد رأينا أن الرأسماليين الاحتكاريين بلغوا في انحسار نظامهم العالمي وانحلاله، في مطلع مرحلة الانتقال هذه فيما بين الحربين العالميتين، درجة العمل على إبادة بعضهم بعضاً بالتحضير للحرب العالمية الثانية، ولكن الإنجليز بعد انتصارهم في الحرب وسحقهم غرمائهم الألمان حاولوا تجاهل ما طرأ على الجملة الإنسانية من تحوّل واعتبار خروج روسيا القيصرية وإمبراطوريتها من النظام الرأسمالي العالمي أمراً عارضاً يمكن تدبره مع الزمن وإعادة السيطرة المطلقة لنظامهم المذكور على العالم. وككل العبوديين الذين سبقوهم في تاريخ الجملة الإنسانية لم يقتنعوا أن ثورة أكتوبر قد نجحت بسبب نضج هذه الجملة لقيام مثل ذلك النظام الذي أتت به تلك الثورة المعبّرة عن فجر اليقظة العالمية للمستضعفين وكل المقهورين. كما أنهم لم يبالوا بالمدى الذي بلغوه مع شركائهم الرأسماليين الآخرين في إساءة استعمال كل ما أصبح بيد الإنسانية من وسائل متقدمة ووضع هذه الوسائل من قبلهم جميعاً في غير مواضعها المجدية، وضعها على الدوام في أساليب إنتاج تؤدي دوماً إلى الأزمات والفوضى وفي تهديم بعضهم بعضاً عند تسابقهم الجنوني إلى الأرباح ونهب الثروات وفي تصعيد النكاية بالإنسان وبالتالي هدر الطاقات الإنسانية الهائلة وتحويلها من النفع إلى التخريب أو قتلها، لم يقتنع الإنجليز ببلوغ الجملة الإنسانية مرحلة الانتقال إلى الطور الأعلى وقرب زوال إمبراطوريتهم والإمبراطوريات الاستعمارية الأخرى كفاتحة لمسيرة هذا الانتقال. وزادوا في تمزيق الوطن العربي بعد أن غدروا به وأوقعوه في براثنهم. وانصبّت مساعيهم على بناء تلك القاعدة الجسر على طريق الهند في فلسطين. فكان أول مفوّض سام لهم في فلسطين اليهودي الإنجليزي الصهيوني هربرت صموئيل. فهذا الرجل تولى توحيد كلمة مختلف تيارات الحركة اليهودية الصهيونية حول منطلقات وضعها هو بنفسه وقدمتها المنظمة الصهيونية العالمية كتصريح لها إلى مؤتمر الصلح بتاريخ 3 شباط 1919. ويشكّل هذا التصريح عرضاً للأطماع الأولية للصهاينة اليهود في الأراضي والمياه العربية، وذلك بتعابير وحجج لا مثيل لوقاحتها. فهم لا يغفلون فقط حق الشعب الفلسطيني بأرض وطنه، وإنما يغفلون أيضاً حقوق بقية العرب في مياههم ومرافقهم وأراضيهم. وعملت إنجلترا في مجلس عصبة الأمم على وضع صك للانتداب يفتح أمامها طريق بناء تلك القاعدة اليهودية في فلسطين تحت اسم "وطن قومي لليهود" وعهدت إلى مفوضها الصهيوني الآنف الذكر هربرت صموئيل بإصدار التشريعات والقوانين التي تسمح بتسريب الأراضي الفلسطينية إلى براثن المرتزقة اليهود. فصدر مثلاً قانون نزع ملكية الأراضي عام 1926، وقانون تسوية حقوق الملكية عام 1928 وقانون الغابات وغيره من القوانين التي حابت اليهود ومكّنتهم من نهب الأراضي العربية. وكانت سلطات الانتداب تستغل كل أمر لتوطيد الوجود اليهودي في فلسطين على حساب شعب هذا القطر فعملت مثلاً على حرمان العرب من الاستفادة من كثير من الأراضي الأميرية لوطنهم، الأراضي التي كانت تشمل معظم الأراضي الزراعية في فلسطين، ثم راحت تسلّمها لليهود بعد طرد مستثمريها العرب. وأغدقت هذه السلطات الامتيازات على اختلافها على الشركات اليهودية التي كانت تدمر الاقتصاد العربي وتفقر أهله. إن امتياز روتنبرغ لتوليد الكهرباء مثلاً حرم العرب من إقامة أي مشروع زراعي متقدم على نهر الأردن بحجة حفظ المياه لتلك الشركة اليهودية. ولم يستسلم العرب لهذا القهر الصهيوني البريطاني الغادر فهبّوا للدفاع عن حقوقهم ووجودهم من اللحظة التي تكشف فيها لهم ألاعيب بريطانيا وكذبها ونقضها لتعهداتها للشريف حسين بن علي. هبّوا مثلاً منذ كانون الأول عام 1919 وهاجموا أربع مستوطنات يهودية في الحولة. وفي أول آذار 1920 هاجم سكان الخالصة اليهود في تل حي حيث قتلوا يوسف ترومبلدور أحد كبار الصهاينة مؤسّس حركة الطلائع اليهودية. وفي نيسان 1920 قام عرب الأردن بهجومين على مستوطنات اليهود وعلى الحامية البريطانية في كل من سمخ وبيسان وعطلوا خط حديد دمشق _ حيفا وأسقطوا طائرة بريطانية. وامتدت المقاومة إلى منطقة القدس فاندلعت أحداث عيد النبي موسى الإسلامي الشهير حيث قام العرب بتأديب يهود استفزّوهم فقتلوا منهم خمسة وجرحوا أكثر من مائتين منهم. وفي أيار 1921 وقع في يافا قتال عنيف بين العرب ويهود تل أبيب قتل فيه 47 يهودياً واستشهد 48 عربياً وفي النتيجة انعقد المؤتمر الفلسطيني في حيفا وتقدمت لجنته التنفيذية إلى وزير المستعمرات تشرشل في 28/3/1921 بمطالب خمسة هي: _ إلغاء الوطن القومي اليهودي.