ايها الأخ الأمين

 

اذا كان الزمان لم يطل بوجودك فان طيب ذكراك سيطول ويطول. فلقد عرفت فيك البطل المجاهد في سبيل سلامة أرض وطنه، والانسان الملتزم بانسانيته، والصديق الصادق في أخوته، والرجل الثابت في ولائه للحق، والقائد الكبير للرجال، والباحث المنقب الواسع الاطلاع في شتى ميادين المعرفة. ولقد أعطيت بكل سخاء لأمتك، ولبيت كل نداء لها، فلا أغراك عن خدمتها طمع ولا أرهبك في الولاء لها فزع.

ولقد رافقت الفقيد الغالي في طريق طويل بدءاً في الثلاثينات من هذا القرن كمناضلين في عصبة العمل القومي. ثم في الجيش في خلايا الضباط الوطنيين الساعين لخلاص الوطن من الأجنبي المحتل. وفي تأسيس جيش الوطن المستقل. وكان الفقيد الفارس المغوار في قتال الصهاينة كقائد لسرية مدرعات اجتازت الاردن الى فلسطين عام 1948 وطاردت العدو الى مشارف صفد وأوقعت فيه الخسائر الفادحة. والصهاينة يتذكرون جيداً فقيدنا الغالي عنما أخذذتهم سريته امام نجمة الصبح فملأت السهل هناك بجثثهم. وبقي الضابط أمين مع رفاقه وجنوده هناك أمام العدو يحرس حدود الوطن ويرد هجمات الصهاينة ببراعة وشجاعة فائقتين طوال تلك الحرب التي لم تنكس فيها راية لجيشنا بفضل جندنا أمثال هذا الفقيد الغالي. الا أن الأنظمة العربية كانت في تلك الأيام تمارس حرب تحرير في قفص المستعمرين بكل أسف. وأدى هذا الأمر الى ضياع فلسطين وقيام هذا الكيان الصهيوني اللئيم كقاعدة لاستعمار غادر لا مثيل لطغيانه الوحشي ووقاحته في تاريخ بني الانسان، كقاعدة للاستعمار الأمريكي الذي طالما أباد الانسان بالملايين بدءاً بالهنود الحمر ومروراً بأميركا اللاتينية واليابانيين والفيتناميين. وهو اليوم في مواجهتنا وينوي ابادتنا.

كان وطننا السوري في الخمسينيات من هذا القرن عرضة لمؤامرات المستعمرين وفي مقدمتهم يأتي المستعمرون الأمريكان المذكورون. وكنا لا نكاد ننتهي من مؤامرة الا وتطل علينا اخرى. وكانت العدة الاولى للعدو المستعمر تشقق جبهتنا الداخلية. وكان قيام الجبهة الوطنية امراً حاسماً للتغلب على مؤامرات وكيد المستعمرين. كما كان توحيد الفكر الوطني في الجيش وشده الى الجبهة الوطنية يشكل الدعامة التي لا يمكن تصور قيام هذه الجبهة بدونها. ولقد التقيت مع الفقيد الغالي على هذا المفهوم، وكافحنا معاً سنين لتجسيده بمنظمة ضباط تضم كل الاتجاهات الوطنية. وعملياً تضم كل ضباط الجيش وأفراده. وقد تحقق لنا ذلك وتمكنا به من رد كيد المستعمرين الى نحرهم وأحبطنا موامراتهم الواحدة تلو الاخرى، وخاصة منها المؤامرات الامريكية. وان الجيش السوري وأول مؤسسة في العالم الثالث واجهت الاستعمارالامريكي وفضحته، منذ تلك الأيام التي كان فيها كثير من الناس في هذا العالم يحسنون الظن بالدولة الامريكية وينظرون اليها كدولة غير استعمارية، وللفقيد الغالي الباع الطويل في مضمار فضح هذا الاستعمار. الا أن عملنا لم يقتصر على الدفاع ورد كيد المستعمرين. لقد كان لنا، للفقيد الغالي وأنا كعضوين قديمين في عصبة العمل القومي، حلماً كبيراً يدفعنا للعمل على ما يساعد على تحقيق وحدة امتنا العربية. فعند انشاء الجبهة الوطنية لأفراد الجيش السوري وضعنا ميثاقاً لها ينص بنده الأول على أن في رأس مهمات الجيش السوري الكفاح من أجل تحقيق وحدة الأمة العربية. وكانت الوحدة السورية المصرية تنفيذاً لهذا البند الذي تعاهدنا على العمل من أجل تحقيق أهدافه، الفقيد الغالي وأنا، منذ عام 1955، في مكتب الشعبة الأولى التي كان يرأسها حينذاك المقدم أمين النفوري.

ان تلك الجبهةالوطنية التي كان فقيدنا الغالي الوجه البارز في قيادتها حققت تحرر شعبنا وانطلاقنا من قفص المستعمرين الذين كانت وما تزال تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية. وهدمت الأسوار التي كانت عن صديق الشعوب وطليعة التقدم العالمي الاتحاد السوفياتي العظيم. فتكنا لذلك من التخلص من أسلحتنا العتيقة البالية، التي ما كنا مع ذلك لنحصل عليها من بلاد المستعمرين حلفاء الصهاينةالا بشق الأنفس وبالمقدار الذي يفرضوه علينا وبشروطهم المهينة، ومن الحصول على أحدث الأسلحة بالمقدار الذي نريده وبأيسر الشروط من الاتحاد السوفياتي. الأمر الذي أتاح لنا تسليح شعبنا العظيم بكل فئاته واتجاهاته، بنسائه ورجاله، وبناء المقاومة الجماهيرية التي أصبح فيها هذا الشعب جيشاً وغدا فيها جيشنا طليعة لتلك المقاومة. وقد ذهب فقيدنا مراراً في وفودنا الى البلد الصديق الاتحاد السوفياتي لعقد اتفاقات حصلنا بموجبها على كل ما طلبناه من مساعدات لبناء اقتصادنا وبناء دفاعنا الوطني دون أي شروط تمس كرامتنا وهويتنا العربية. وفشلت نتيجة لكل هذا، ونتيجة لتصميم شعبنا الذي كان الفقيد الغالي الوجه البارز في طلائعه، محاولات المستعمرين الأميركان وأعوانهم الهزيلين حولنا وبيننا، وتفرقت جيوشهم التي تحشدت على حدودنا وابتعدت أساطيلهم العدوانية عن مياهنا. وشاع في العالم أجمع ان سورية هي "جزيرة الحرية الخضراء".

أيها الأخ الأمين

ان ما جتهدت في سبيل تحقيقه لأمتك العربية المجيدة امر يضعك في دائرة الخالدين. فاسمك اقترن الى الأبد بالتجربة الخالدة للوحدة السورية المصرية. وستقوم الوحدة الكبرى الشاملة لأمتنا باذن الله بالاستفادة من تلك التجربة الفذة. فالى الخلود في جنات الرحمن ايها الأخ الأمين.

       فالحق نادى فاستجبت ولم تزل                    بالحق تحفل عند كل نداء

وأتقدم بتعازي الحارة لأهل الفقيد الغالي واخوانه. الهمهم الله الصبر وعظّم اجرهم وأثابهم.