سطور قليلة عني

ولدت في دمشق في أسرة دمشقية عريقة تفاخر بعودة نسبها إلى محرر فلسطين، البطل الأسطوري، صلاح الدين الأيوبي. ورغم اعتقادي الآن أن الله وحده يعلم بصحة أنسابٍ تفصلنا عنها مئات السنين، إلا أن هذه القصّة، التي تتداولها الأجيال المتعاقبة في عائلتي، كان لها أثر كبير على نشأتي الأولى واعتزازي بنفسي والقيم التي اقتديت بها طوال حياتي. ولم تمضِ سنوات قليلة على مولدي حتى حملنا عمل والدي التجاري إلى القدس، حيث عشت هناك طفولتي وشبابي المبكر. وطبعت تلك الحقبة من عمري أدبي وحياتي الشخصية بطابعها الذي لا يخبو حتى هذه اللحظة. وهناك في فلسطين بدأت حياتي الأدبية العامة، عندما قبلت إحدى المجلات المقدسية نشر أول قصة قصيرة لي، ولمّا أتجاوز حينها السابعة عشرة من عمري. وفيما بعد عندما عادت أسرتي إلى دمشق بعد نكبة 1948 بدأت بكتابة القصة القصيرة والاسكتشات التمثيلية بشكل منتظم، وكانت تذاع أسبوعياً من إذاعة دمشق، ومعظمها كانت تدور حول أحداث فلسطينية، حتى أنني كنت أدعى حينذاك بالأديبة الفلسطينية رغم انتساب عائلتي إلى دمشق.

 

تركت وفاة أختي التي تصغرني وصديقة شبابي وقارئتي المتحمسة، صبيحة، بمرض السل جرحاً في قلبي لم يندمل قط. وبعدها بدأت بكتابة الرواية الطويلة التي وجدت فيها تعبيراً أقرب إلى نفسي حينذاك. وكانت باكورة رواياتي "بستان البرتقال"، التي تروي قصة الشعب الفلسطيني قبل الخروج عام 1948، وهي إلى حد ما قصة حياتي في طفولتي ومطلع شبابي في فلسطين، وما شاهدت فيها من أحداث فجرت موهبتي الأدبية في وقت مبكر، وأنجزتها عام 53. ولم أجد ناشراً جريئاً حينها يأخذ على عاتقه نشر رواية لأديبة شابة غير معروفة، والمال الذي وفرته من عملي في التدريس، وحاولت استخدامه في هذا السبيل، لم يكن كافياً لطباعتها على حسابي. حدث هذا عام 54، وفي هذه الأثناء التقيت بالرجل الذي رافقته أربعين عاماً، وهو المقدم عفيف البزري، الذي أصبح فيما بعد الفريق عفيف البزري القائد العام للجيش السوري أثناء الحكم الديموقراطي في الخمسينات. وكان قادماً من فرنسا بعد أن أنهى دراسته الجامعية في السوربون كمهندس طبوغرافي لصالح الجيش السوري. وبعد حب توهج بسرعة وخطبة قصيرة تزوجنا، وأنفقت المبلغ الذي كان معي على شراء الأقمشة للثياب التي خطتها بنفسي لعرسي الذي تم بعد شهر من تعارفنا. وبقيت الرواية في درجي حتى بداية السبعينات فأعدت كتابتها بنضوج أكبر، ولم تنشر إلا في أوائل التسعينات.

 

في عام 1959 نشرت مجموعة قصص قصيرة بعنوان "نضال من جديد"، تتحدث عن سوريا في الخمسينات وعن نكبة فلسطين. والحقيقة أن ثلاثاً من الروايات الطويلة التي كتبتها لها علاقة بفلسطين: "بستان البرتقال" و"وادي الظلال" و"رجاء من السراب"، والروايتان الثانية والثالثة مازالتا مخطوطتين. أما "وادي الظلال" فقد كتبتها في ذكرى شقيقتي صبيحة، بينما "رجاء من السراب" مكتوبة من وجهة نظر محامية لبنانية من أصل جنوبي والرواية لها علاقة وثيقة بالقضية الفلسطينية، وأحداثها تقع بين الأعوام 70-90.

 

عدا عن الأعمال الروائية كتبت عدة مسرحيات، منها مسرحية زنوبيا والمسرحية الشعرية باللغة الإنجليزية "Lebanon" المنشورتان في موقعي، والبقية لم تنشر بعد. أما الشعر باللغتين العربية والإنجليزية فأعتبره تنويعاً ثانوياً في اهتماماتي الأدبية، وبعض أشعاري باللغة الإنجليزية موجودة في موقعي، وسأنشر دورياً المزيد منها.

 

قمت بدراسات متنوعة تاريخية وأدبية ونقدية واجتماعية وسياسية وموسيقية، نشر بعضها في الدوريات العربية، وبعضها موجود في موقعي (Ancient & Present Claims)، ومازال بعضها ينتظر النشر. كما قمت بأعمال ترجمة أدبية وسياسية أهمها كتاب الخبز والبنادق لنايجل هاريس. وكان للمرأة، بطبيعة الحال، نصيب وافر من اهتمامي، وقد نشرت في موقعي على الإنترنت بعضاً مما كتبت في هذا المضمار، وسأتابع نشر دراساتي عن المرأة لما لهذا الموضوع من أهمية في نظري.

 

أحد أعمالي التي أنجزتها مؤخراً كان تحت عنوان "جذور".   بهذا العمل أريد أن أظهر جانباً قلما عرفه العالم عن زوجي، عدا كونه رجلاً عسكرياً بارزاً ورجل سياسة ورجل فكر صاحب مؤلفات معروفة، الجانب الإنساني لرجل العائلة المحب الذي عرفته.   هذا العمل يتضمن أيضاً المراسلات التي تبادلتها مع زوجي، في الفترة الواقعة بين 8 آذار 1963 و15 آب 1964. وقد جرت هذه المراسلات عندما كان ملاحقاً ولاجئاً في لبنان إبان الانقلاب البعثي في سوريا عام 1963.

 

لقد كانت حياتي غنية بالأحداث؛ تلك التي عشتها في طفولتي وشبابي المبكر والتي رافقت بها زوجي. وعرفت أياماً حلوة مجيدة وأخرى بالغة الصعوبة، فما كنت أكثر سعادة مما أنا عليه في الأولى ولا أقل سعادة في الأيام الصعبة. لقد شكرت العناية الإلهية دائماً أني عايشت في مختلف مراحل حياتي أحداثاً جليلة فلم أقف منها موقف المتفرج، بل أصبحت مادة خصبة لعملي الإبداعي. وكنت رفيقة لرجل ندر له مثيل في أخلاقه وحرصه على المبادئ التي آمن بها وصلابته في الحق ورفضه كل مغريات الحياة من أجل أن يترك آثاراً رائعة علي أن أبرزها إلى النور في حياتي بعده. ولم أعرف ألم الوحدة إلا يوم فارقني في كانون الثاني من عام 1994، وعزائي فيه أنه ترك لي ذكريات لن أنساها، وثروة من الكتب التي تجعله ماثلاً لعيني في كل لحظة، وأبناء وبنات هم على مثاله وهديه في الحياة.