السجــن

حدثني عبد الرحمن عن زميل آخر له أصبح من  رجال المخابرات:

-         تكررت زياراته لي ، مرة قال لي "إنني أرخص مرتش في البلد، إنني أرشى بعشاء، ألا تدعوني إلى عشاء؟

-         زوجتي مرهقة بعد موت طفلها.. إن صحتها ليست على ما يرام، ولا أريد أن أدعو أحدا إلى بيتي.. ليس عندي إلاّ فنجان قهوة يمكن أن أقدّمه لك، وهو كثير عليك.

ما لبث أن أصبح أكبر مرتش..من بعلبك إلى دمشق إلى حماه إلى تركيا، إلى عبر البحار كانت تجارة التهريب ناشطة لديه..قلت له:

-         إن دائرتك أصبحت كلها من المهرّبين!

-         الضباط مفروغ منهم، ليس منهم من هو ليس مهرّبا، ولكن ما رأيك بقضاة، سبع وعشرين منهم يسجّلون سيارات بأسماء الذين سرقوها، وهم يعرفون أنها مسروقة، بدل أن يكشفوا أمرها للنائب العام.

-         أنا عرضت علي سيارة مرسيدس مسروقة بخمسمائة دولار.. قلت لمن يبيعها لي وهو ضابط "أنا لا أشتري سيارة مسروقة يكون صاحبها ملتاعا من أجلها، يدعو عليّ في الليل وفي النهار، وألى هذا فكيف أسجلها بإسمي؟ قال لي " نضع لك عليها رقم مخابرات.. فقلت "ألعن وأدق رقبة، لا يبقى إلاّ أن تسجّلني جاسوسا من أجل سيّارة..

-         لديّ أربع سيارات، والرائد طلب مني بيعها قبل عودته بعد أسبوع من مصيف جبلي، فانتهز الفرصة وخذ لك واحدة.. إنني أراعيك وأشفق على زوجتك من الإرهاق..

-         أنا ما شأني بسياراتك؟ لا بيعت بإذن الله، وإن بيعت فأنت ورائدك بإذن الله لن تنفقا ثمنها إلاّ في المصائب والأوجاع..

-         أنت لا تزال ناقما عليّ لأنني سجنتك..

-         أتريدني أن أقبلك من بين عيونك لهذا؟

-         وضعتك في السجن لمصلحتك! تصوّري هذا السافل يا نبيلة!

-         لمصلحتي! أنام على فراش نام عليه خمسمائة قبلي!القذارة عليه لسمكها لا تزال إلاّ بسكّين.. ما هذا الهزؤ؟ السجن فيلاّ على شاطئ البحر ترسلني إليه للإستجمام؟ قل لي أنك ترسلني إليه ورجلي فوق رقبتي، إنني أفهم هذه اللغة، أما أن تهزأ بي وتقول لي لمصلحتي، فأنا لا أسمح لك ولا لسواك بهذا الهزؤ..

-         يا عبد الرحمن إهدأ.. أليس السجن أفضل من اغتيالك؟ تهين رموز السلطة، وتدعوهم بالمتآمرين وتنجو من العقاب! أتحسب أنك إن كنت لا توقّع مقالاتك باسمك لا تعرف المخابرت أسلوبك ونفسك؟ إحمد الله أن لك صديقا يحميك ! أوكل إلي ان أحذرك باعتباري زميل دراسة قديم لك، فوجدت أن أنجع سبيل إلى ذلك أن أريك بأم عينك ما ينتظرك لو تماديت وأهنت كرامة رؤساء البلد..

-         ألهم كرامة حتى تهان؟ عندما يبيع الإنسان نفسه للشيطان لا يدري إلى أين يقوده وأوّل المطر طلّ.. والشيطان نفسه لا يدري كيف يستخدمه، تكون المهمّات في البداية صغيرة، ثم تكلّف ألوف الضحايا حين تستشري الفتنة..

*   *   *