عازبة أم متزوجة

 

ذهبت جهينة لاخراج معاملة.. سألها الموظف

- عازبة أم متزوجة؟

اجابته – عازبة..

قال الموظف الآخر – اكتبها مطلقة!

قالت بدهشة وشبه غضب – لماذا مطلقة؟ أقول لك عازبة، هل أنت الذي تقرر أحوالي الشخصية؟

-         معقول أنك لم تتزوجي حتى الآن؟

-         ماوجه الغرابة في هذا؟ هل كل الناس يتزوجون؟

-         هل الرجال أصبحوا عمياناً حتى لا يشاهدوا جمالاً كجمالك فيتخطفوه؟ لماذا لم تتزوجي حتى الآن؟

-         هكذا!

-         لست أعرف لماذا شعرت بالقلق عليك.. لابد أن في حياتك قصة ما حتى لم تتزوجي..

وجمت جهينة.. لم تعتد مثل هذه الوقاحة من أحد، ولكنها كافحت غضبها، فهو موظف أمن وقد يؤذيها أو يعطل ما جاءت من أجله..

واستمر الموظف في سماجته:

-         هل هجرك حبيب؟ مات عنك حبيب؟ تنتمين لمنظمة فلسطينية، أو لمنظمة ارهابية؟

-         انتمي للجحيم فما همك؟ أنت موظف، لماذا لاتقوم بوظيفتك في صمت بدون هذه الأسئلة التي تتعلق بخصوصيات الناس؟

-         هذا من متتطلبات مهنتي يا آنسة، عندما تريدين أن تغيري جنسيتك، فعلي أن أتساءل لماذا هذه الفتاة تريد أن تغير جنسيتها دون أهلها؟ ماهي الأسباب؟

-         أمي لبنانية.

-         ووالدك؟

-         فلسطيني كما ترى في جواز سفري وهو لايرغب أن يغير جنسيته.

-         هل تظنين تغيير جنسيته أمر سهل؟ ليس هو الذي لا يرغب بل نحن الذين لا نرحب بهذا.. ان هذا السيل من الفلسطينيين الآتي الى لبنان لو اعطي الجنسية اللبنانية لأخل بالتوازن الطائفي في لبنان.. يجب أن تكون لديك واسطة وعلى مستوى رفيع حتى تحصلي على الجنسية، فالأمر ليس بالسهولة التي تتصورين.

-         في اسرتنا كنا دائماً نعتبر لبنان وطننا الثاني.. نصف صيدا من أقرباء أمي، ولنا حولها أراض وممتلكات.. ان زواج أمي من فلسطيني لا ينفي حقوقها وحقوق أسرتها في هذه البلاد..

-         السياسة اللبنانية لا تعترف بهذه الحقوق، لا تعترف للفلسطينين بالتملك والمرأة تابعة لزوجها..

-         وان تزوجت لبنانيا؟

-         تكونين في هذه الحال تابعة لزوجك..

كان حديث الفتاة عن الأراضي والممتلكات التابعة لأمها قد أثار في موظف الأمن كوامن الجشع الى جانب الشهوة التي أحس بها نحو الفتاة حين رآها.. ماهذه الصدف الرائعة؟ هاهي ذي فتاة اقطاعية، أهل امها من آل عباد، وهي الى ذلك فلسطينية ويمكن أن تكون تحت رحمته بقليل من الحيلة..

تودد اليها وهو يتأملها بعينين نهمتين:

-         هل تتزوجينني؟ صحيح انني لست الا موظفا عاديا براتب محدود ولكن البراني الذي أحصل عليه عشرة أضعاف راتبي، أنا قادر ان ادبر امورك وأعطيك الجنسية.. ان لي نفوذاً وكلمتي مسموعة في هذا الجهاز.. أعطيك جواز سفر لبناني خلال شهر، حتى ان شئت ازور لك القيد وأجعلك لبنانية المولد وأصغر من عمرك عشرة أعوام..

ضحكت جهينة – انا لا أريد الا أن اعطى الجنسية، لقد استفسرت عن هذا الأمر من محام هو قريبي، ليس فيه من صعوبة بالنسبة لي..

-         جربي، وليجرب قريبك المحامي.. قد اماطلك حتى تهرمي ولا تجدي من يتزوجك.. عندنا في الجبل الفتاة تصبح عانساً ان تجاوزت السابعة عشرة.. أنا عريس حاضر أختصر لك الوقت والمتاعب.. ان البنات يتهافتن علي كالذباب وأنا أكشهن.. ولكنني وقعت في حبك، سبحان الله، من النظرة الأولى.. حين دخلت هذا الباب اصبت بصدمة عاطفية.. قلت هذه الفتاة هي نصيبك يا غانم! ألم تشعري بدفقة ساخنة من فيض عاطفتي؟

-         انت تجاوزت الحدود.. وسأجد غيرك لحل مشكلتي..

-         لن يحلها لك أحد سواي.. صدقيني سترجعين الي..

تركته جهينة ولكنه أخذ يلاحقها بالتلفونات.

-         أنا غانم، كلمت لك وزير الداخلية، هو صاحبي الروح بالروح، تصوري! لا يطلع بيده شيء، لأن الأوامر مشددة تجاه الفلسطينيين..

ويقول لها مرة أخرى:

-         رأيت الشاب الذي كان معي بالغرفة.. أنطون وهو ماروني متعصب لطائفته، ولا أستطيع أن اتحدث أمامه بكل شيء، انه يعمل في الأمن القومي ولديه ملف اسرتك تعالي في الغد فهو في إجازة وسأطلعك على الملف.. فيه أشياء تهمك كثيراً..

ووجدت جهينة نفسها مرتبطة بموعد بدافع الفضول، قال لها غانم اذ رآها:

-         ذهبت الى مكتب الأمن القومي وأخرجت ملف عائلتك، كان في حوزة أنطون وأخذته من مكتبه دون علمه، ولو عرف بهذا لخسرت عملي وربما سجنت.. بقيت طوال الليل أقرأ في الملف.. أفراد عائلتك تحت الرقابة بسبب نشاطاتهم.. ان أنطون شرس في ملاحقة الفلسطينيين.. ان كرهه لهم لا حدود له، وكثيراً ما سمعته يقول "يجب أن يبيدوا هم وأطفالهم، فالمخيمات أصبحت أوكاراً للأفاعي.. يجب أن نسحقهم دون رحمة اذا أردنا انقاذ لبنان". ان أنطون هذا شيطان رجيم، وهو رئيسي ولا أحب أن تفتح عيناه على المعلومات في الملف.. والدك على الأخص من الرجال المقربين الى ياسر عرفات.. أنا مستعد أن أتلفه يوم تقررين الزواج بي.. لايجب أن يكون مثل هذا الملف في الأمن العام فهو خطر على أسرتك وعليك وعلي..

-         لماذا هو خطر عليك؟

-         ذنبي أنني أحببتك وأريد أن أحميك أنت وأسرتك، ولهذا أقع في غضب انطون.. ربك رحيم انه رجل كسول لا يحب قراءة التقارير فيتركها لي.. ولهذا ترين أن أمرك بيدي، وأنا يعلم الله أغامر بمستقبلي من أجلك..

أخذت تتصفح الملف.. لكل فرد من آل عباد ممن تعرفهم ولا تعرفهم تقريراً خاصا به وبمواقفه السياسية، وسألها غانم:

-         ماذا تشربين؟

-         عصير البرتقال

-         لماذا لا تشربين الكوكا كولا؟ عندنا في لبنان اذا أرادوا اكرام ضيف يقدمون له الكوكا كولا.. ولهذا لا أجد عصير البرتقال لائقا بمقامك عندي..

-         ما به عصير البرتقال انه أطيب؟!

-         ولكن الكوكا كولا من انتاج شركة أجنبية.. أنا عملت في مطلع حياتي عاملاً في شركة الكولا، كنت حديث العهد بالمدينة، فانظري ماذا أصبحت اليوم وأي شأن صار لي.. صدقيني ان قلت لك سأزيح هذا الأنطون الماروني من مركزه وأستلم أنا رئاسة الأمن القومي.. وحينذاك سأخدم الفلسطينيين والقضية الفلسطينية كرمى لعيونك.. لبنان يتحكم به عشرون رجلاً أنطون أحدهم، هم أقوى من الوزراء والنواب والسفراء.. الآخرون واجهة مسرحية لهم.. هم القوة الحقيقية.. هذا كلام سر ما بيننا.. ما كنت لأبوح به لأحد لولا انني وقعت في حبك حتى شوشتي..

-         ومن برأيك يعطيهم هذه القوة الأسطورية؟

-         يأس الناس .. العرب خاضوا عدة معارك هزموا بها.. وكانت النتيجة أن كرهوا فلسطين والفلسطينيين، ويريدون أن يعاملوهم اليوم كقطاع طرق وليس كبشر لهم حقوق مشروعة وخصوصاً عندنا هنا في لبنان..

*  *  *