التجمع الوحدوي

 

نصح رجال مقربون من والدي أن الأمور في البلد لا تسير في صالح الناصرية في لبنان، وأن عليه أن يشكل تجمعا من قوى مختلفة تؤمن بالوحدة العربية لكسر التجمعات الطائفية التي كانت تتشكل في لبنان، وما لبث أن انتشر الخبر قبل أن يأخذ شكلا رسميا، وتسارع إليه إليه أصدقاء قدماء لم يكن رآهم منذ سنين طويلة يريدون الإنتماء إلى هذا التجمع ، وترشيح أنفسهم للنيابة باسمه.. جاء إحدهم إلى منزلنا وقال:

-         من يوم أن قتل كمال جنبلاط تيتمنا، إلى من أنتمي؟ إلى جبل الدروز؟ أنا بيروتي منذ أكثر من من سبعين عاما أريد أن أرشح نفسي عن بيروت لا عن جبل الدروز..

-         الحق بيدك ذكرتني بنكتة ، تخانق مرة أرمني مع درزي.. الدرزي شتم الأرمني، تعرف الأرمن هم في بلادنا منذ سنين طويلة ولا يتقنون اللغة العربية.. أجاب الأرمني حانقا : يلعن، يلعن، يلعن آخذا بترديد الكلمة وقد نسي إسم جبل الدروز، وأخيرا قال "يلعن ديرالزور التي جاءت بك إلى بيروت..

ضحكا معا وأنا أدور بالشراب عليهما، واستدرك الدرزي قائلا:

-         ولكنني درزي ولست أرمنيا، عروبتي صافية ، ولغتي سليمة..

-         أنا لا أندد بالأرمن الذين ينتمون إلى حزب البعث، فقط أتمنى أن يتقنوا اللغة العربية..

-         أتندد بإسلامي كما يفعل الأصوليون؟ أنا موحد..

-         معاذ الله! أنا لا أريد تشكيل حزب سني وأطرحه في سوق الثيران المتناطحة في لبنان.. بل أريد للبلد أن يخرج من هذه الدائرة الشيطانية..

-         لنا تجارب سيئة مع السنة، ابن عمي خطب قريبة زعيم سني فقال له أهلها "يجب أن تسلم أولاً، تذهب الى المحكمة وتعلن اسلامك".. قال لهم " أنا عربي مسلم موحد.. رسالات التوحيد نؤمن بها منذ قامت في المنطقة وأنا لا أغير مذهبي أبداً لأن هذا اعتراف بأنني غير مسلم".. زوجوه أخيراً وهو رجل سعيد..

كان الرجل يتلهف لرؤية أخت جلال عباد الصغرى التي سمع عنها انها طلقت من زوجها، وكانت رغبته في الانتماء للنجمع مزدوجة، وبدا قلقاً وهو يستمع الى المبادئ التي يريد جلال عباد من التجمع ان يلتزم بها..

-         ان أقرب الناس الى الاسلام في رأيي ليس هؤلاء الذين يلتزمون بطقوس العبادة، فالله غني عن البشر، بل اولئك الذين يؤمنون بالتوحيد وبتخليص الذات المسلمة والعربية من كل ما ينتقصها.. وأول ما ينتقصها هو عبوديتها للاستعمار الجديد وللنظام الاحتكاري الربوي العالمي الذي يسحقنا كلنا وينهبنا كلنا ويجعل ابناء الأمة الواحدة أعداء.. لماذا تحمل الميليشيات السلاح ضد بعضها البعض؟ لماذا القومي هو ضد الاشتراكي والاشتراكي ضد المسلم، والمسلم ضد المسيحي، والوطني اللبناني هو ضد اللبناني  والوطني الفلسطيني ضد الفلسطيني؟ لماذا الدروز يذبحون الموارنة والموارنة يذبحون الشيعة؟ ماهو مصير هذا البلد الذي تمزقه الفتن الطائفية؟

-         سيدي أنا معك في كل ما تقول ، لماذا لم اأرضى الذهاب إلى سوريا؟ في عائلتي هناك ثلاثة دكاترة ونائبان.. عرضوا علي منصبا سياسيا ولكنني لاأريد أن يمنوا علي ويقولوا عني بأني وصولي.. لكل فرد مشاكله الخاصة كما تعلم، أنا أريد أن أتزوج ، وراتبي التقاعدي لا يكفيني، سمعت أن قريبك الدكتور عباد في صيدا عنده مستشفى.. أقول له "جلال بك صاحبي وحبيبي ، عيّني عندك مدير إداري بالمستشفى.. سبق لي وكنت مديرا إداريا في شركة الكوكاكولا.. إن لم تساعدني أذهب إلى سوريا، وهناك أتزوج بنتا مستورة درزية نازحة من قرى الجولان.. خلصت الشغلة، السلام عليكم.. فقط اكتب رقم تلفوني عندك.. سأمر عليك بعد اسبوع تكون قد كتبت لي رسالة توصية، أو اكتبها لك وتوقعها.. ان تيسر لك أن تساعدني أكون يدك اليمنى، أفتح لك أبواب الجنة، معارفي كثر وكل شيء اليوم بالواسطة.. لا شهادات عليا ولا خبرة ولاهم يحزنون.. فقط كن قريباً من السلطة.

وجاءه آخر

-         سمعت أنك تنوي تشكيل حزب.. أنا خير من يمثلك ويمثل آراءك.. في الحكومة لي أصدقاء كثيرون، أحدهم قال لي "ما رأيك في أن نجعلك وزيراً؟" انت مناضل قديم وكاتب قدير، لا أريد أن أفخر بنفسي، أريد أن أخدم وطني وكوني نائباً أفضل من كوني وزيراً.. رشحت نفسي في المرة الماضية فلم أنجح.. لماذا؟ لست منتمياً الى حزب، والمستقلون لم ينجحوا الا بدفع مبالغ طائلة لأجهزة المخابرات.. وصل الأمر الى شراء الأصوات بالمال ونثر الملايين في هذا السبيل، أنا لا أستطيع أن أرشو أحداً وليس عندي الا راتبي التقاعدي.. صحيح لدي أبناء وأصهرة دكاترة وعندي في سوريا منزل هو ملكي وأرض مساحتها ثلاثون دونماً ولكن الحكومة وضعت يدها عليها مع أراض بجوارها وهي منذ عشرين عاماً لا تفعل شيئاً.. وضعت فقط في المكان حجر أساس وقام الوزير بقص الشريط والتقطت له الصور للتلفزيون، والآن اسمه محته الأمطار، ولم ينفذ المشروع.. رفعت اليه كتاباً منذ أشهر قلت له: -سيدي أسلمني ادارة المشروع الزراعي وأنا أجد له تمويلاً.. لي أصدقاء  أغنياء في الحزب وخارجه مستعدون أن يمولوا المشروع على شرط أن يباع للقطاع الخاص.. لم يصلني الجواب حتى الآن.. لو كنت أنت رئيس البرلمان هناك لتغير الحال.. ثمانون نائباً من المستقلين ينضوون تحت لوائك، لأن النواب المستقلين يمثلون بصدق مصالح الشعب وليسوا بحاجة لرشوة أحد..

سيدي لو أنك تكون مرناً وتتخلى عن انكماشك وعزلتك.. لا يستطيع الانسان أن يكون فعالاً مع العزلة.. أنا مستعد أن أؤلف جمعية اسميها "الكلمة الطيبة والمساعي الحميدة" أو اذا شئت تغير الاسم ان لم يعجبك، سمه كما تريد، وأنا أسعى أن أجعلهم يأتون اليك، وزراء وقواد جيش يلتمسون نصيحتك.. عين نوابك في المجلس وهم لا يرفضون لك طلباً.. كلهم تلامذتك.. انني قادر على الاتصال بكثير من رجالات البلد.. في البناية التي أسكنها ثلاثة من زعماء الأحزاب.. فلان جاري وهو صهر فلان وكلاهما نجحا كنواب، وأنا لست أقل منهما.. انهما يعترفان بأنني جدير أن أكون نائباً ولكن هناك من يقول فلان يريد أن يتزوج.. أنا لا أتحدث بهذه الأمور الخصوصية الا لك.. أنا وزوجتي ينام كل واحد منا في غرفة.. ليس بيننا علاقة، ولكني لا أريد أن أطلقها لأنها أم أولادي، حللت مشكلتي بطريقتي، ولهذا فزوجتي تقول لأصدقائي لو انكم ساعدتموه ليصبح نائباً فان وضعه المالي يتحسن ويتزوج، لذلك لا يساعدني أحد كي لا يغضب زوجتي وأولادي فأهلها بينهم كثيرون من عمد السلطة.. والسلطة رب صغير ان جاز القول، وهم يخافون من لساني يقولون فلان يقول للأعور "أعور بعينه" وهو لا يخشى في الحق لومة لائم.. مع أنني والحق يقال لست مثيراً للمتاعب وأتجنب الزوايا الحادة.. ان الحياة علمتني أن أكون حكيماً ولا ألقي الكلام جزافاً.. وأتصرف دائماً وفق الزمان والمكان.

*   *   *