المحامية

 

كنت أتدرب في مكتب والدي كمحامية بعد أن تخرجت.. وفي أثناء محاولته تشكيل حزبه أوكلت اليه قضية فتى اتهم بجريمة قتل.. وكنت ووالدي على شبه يقين من براءة الفتى، وأن ماجرى كان من تدبير المخابرات.. ولم أر والدي على حال من الحزن كما كان عليه يوم نفذ بالفتى حكم الاعدام..

الصقوا تهمة القتل بفتى في السابعة عشرة من عمره لم يكن له دخل في الموضوع.. لسوء حظه انه كان ماراً ذلك اليوم على موتوسيكله قرب موقع الحادثة.. ولسوء حظه كان والده من المعارضة.. وتحت التعذيب اعترف بأشياء لم يفعلها.. بأشياء أجبروه على قولها.. حين قاده الملازم الى المشنقة اراد أن يخفف عنه، قال له يابني أنت الذي فعلت بنفسك هذا،لماذا قتلت الرجل؟ أجابه "أقسم لك أنني بريء" .."ولكنك اعترفت في المحكمة بفعلتك"..  "كنت أردد الكلام الذي اتهموني به، ما عدت احتمل التعذيب وهانت حياتي عندي"

قيل لي أن المسكين كان يرتجف وهو يواجه الموت.. لم ينبس المسكين بكلمة.. لم تؤثر بي قضية كما أثرت بي قضية الفتى.. كنت واثقة أنه بريء كما كان والدي، ولكننا لم نستطع أن ننقذه.. أما الشاهد الذي أقر أمام المحكمة انه كان يرى الفتى لثلاثة أيام متوالية يركن موتوسيكله ، ويقف منتظراً قرب باب العمارة، فقد شاهدته أمس يركب سيارة مازدا لا تتلائم مع خلفيته كبواب للعمارة..

-         وماذا كان الفتى يفعل عند الباب؟

-         طيش الشباب! كان مولعاً بفتاة تسكن في الشقة المقابلة ويلحق بها حين تخرج من بيتها ويغازلها.. لم يكن هناك دليل قاطع على ادانته، ولكن الظروف العامة كانت تدفع لايجاد ضحية تلصق بها التهمة بأي ثمن تهدئة للخواطر.. حتى زوجة القتيل أشارت باصبعها للقتلة الحقيقيين وصاحت بهم "قتلتم زوجي وتأتون لتعزيتي.." فأعطيت على الفور ابرة مخدرة نامت بعدها، ثم سمعنا أنها مصابة بانهيار عصبي، ثم سمعنا بأنها أصيبت بالجنون.. اعتبر والدي نفسه فاشلاً كمحام لأنه لم يستطع العمل في ظروف يكون فيها حتى القضاة مرتشون..

قال لي: أيام سوداء تنتظرنا يا نبيلة.. لقد استشرى الفساد في لبنان، ونال أجهزة الأمن والعدالة فيه.

*  *  *