بعد ستة أعوام

 

في الجنوب

 

مر عبد الرحمن بالمنزل التابع للمقاومة الذي نزل فيه جده وخالته أم حسن.. كان الجد مستاء لعدم وجود مؤونة في البيت " كل شيء علينا شراؤه من الدكاكين حتى البرتقال".

وكانت خالته في ضيق:

-         أصدق أن استقر بنا المقام في بيت أبي .. عدنا للتشرد وعدم الإستقرار .. في غياب الأمن مستحيل على الإنسان أن يقوم بأي مشروع. لا أحد يدعمه، كنا ننفق مما معنا ومما يرسله لنا عبد القادر من الكويت ، ومنذ انتقلنا إلى هذا البيت وحسن يتذمر حتى بعث عبد القادر إليه رسالة ليلتحق به، أما ياسر فإنه يعمل عند إبراهيم.. إبراهيم تحسنت أحواله وحول الطابق الأرضي في منزلهم إلى سوبر ماركت.. وتسرّ أمه إلى عبد الرحمن:

-         السعوديون يدعمونه برأس المال، والمهربون الفلسطينيون يزودونه بالبضائع من الأردن، وهكذا أبعدوه عن طريق الأشقياء الذين يريدون استغلاله في عمليات الإرهاب وخطف الطائرات..

تدخل جهينة وتهتف معانقة إياه:

-         من هنا؟ عبد الرحمن!

-         أنت هنا ونبيلة تقلب الدنيا بحثا عنك! لماذا لم تخبريها الحقيقة عن مكانك؟

-         لهذا قصة طويلة سأخبر بها نبيلة حين أنزل بيروت.. هل أنت ذاهب إلى بيروت فأزودك للمجلة أم قادم منها؟

-         بل قادم منها.. إنني أبحث عن بيت في صيدا فلا أوفق..

-         صيدا قد احتشدت باللاجئين من الفلسطينيين حتى نحن لم نجد سكنا لنا في بيوت الأهل بعد أن احتلت المقاومة بيت جدي..

-         تعرفين؟ مررت بالطريق الشرقي لأنه أكثر أمانا من طريق البحر ، فإذا بي أرى أشجار البرتقال مقطوعة والأرض مزروعة حشيشا، وهناك حرس لبنانيون على مشارفها. سألتهم من يملك هذه الأرض؟" قالوا "سر في طريقك ولا تكثر من الأسئلة" استفسرت من رجل اصطحبني من مقر المجلة في بيروت لأخذ البريد، فوجدت أنهم هناك يعرفون..

وأصبح وجه جهينة كالليمونة :

-         يعرفون ماذا؟

كانت أم حسن قد خرجت إلى المطبخ لتهيئ ضيافة لعبد الرحمن، والجد قد كبا في مقعده تعبا من وطء السنين، فهمس لها عبد الرحمن:

-         أنه زوجك، وأنه أشرس من نكل بالفلسطينيين في تل الزعتر!

عادت أم عبد القادر بصينية شراب البرتقال المثلج وضعتها على الطاولة ، فلما شاهدت والدها نائما ساعدته ليذهب إلى فراشه.. قالت جهينة والأرض تميد بها:

-         لا، لايمكن أن أكون بمثل هذا الغباء وهذه الغفلة!

-         مرات، يكبو الحصان الأصيل.

-         أرجوك، لا تذكر شيئا أمام والدتي وجدي فأنا لم أخبرهما كل الحقيقة بأنني تزوجت غانم زواجا مدنيا وأعطيته وكالة بالتصرف بأملاكي..

-         وهي أملاك جدك ومن يلوذون به من آل عباد..

-         يا إلهي! أذكر أنه كان يسألني في بدء زواجنا أسئلة يستدرجني فيها لمعرفة الشخصيات الغفل التي تكتب في مجلتنا. كأن يقول لي: قرأت مقالا رائعا في هذه المجلة، كم أتمنى لو أتعرف على كاتبه وأقبله من بين عيونه..؟ أو رأيت كاريكاتورا أضحكني كثيرا، هل تعرفين من هو هذا الفنان الموهوب؟

هز عبد الرحمن رأسه وقال:

-         أعرف الوسائل التي يستخدمونها لاستدراج الآخرين إلى شباكهم، هؤلاء المخلوقات العنكبوتية.. بعض الأحيان حتى القوى الوطنية تخدم قوى الظلام دون أن تدري.. اشتغلنا مع جماعة تتلقى فلوسها وأوامرها من مخابرات عميلة، زعيمها في الخارج ولا سلطة له عليها، يرسل مالا إليها ويمدها بالمساعدة، أما من يحركها وفق أغراضه فهي تلك الجهة المرتبطة في آخر المطاف بقوى الظلام..

-         واخجلاه! لابد أن دفتر مذكراتي الذي نسيته قبل أن نغادر بيت جدي، قد وقع بيد أحدهم، فأرجوك يا عبد الرحمن أن تسأل لي عنه في مقر المجلة في بيروت فلا يقع بيد والدي، ويحسب أنني متواطئة مع هذا الرجل...

 

*   *   *