عقد قران

 

دعيت إلى عقد قران سوسن وابراهيم.. ذهبت وابنتي وذهب معي عبد الرحمن وزوجته وطفلاه، ونزلنا في بيت جدي، وقامت خالتي بواجبات ضيافتنا حتى أخجلني كرم استقبالها، وليس على لسانها إلاّ رغبتها في تنسم رائحة الأهل، ولعلّ موافقتها على زواج ابنتها من إبراهيم كان لشعورها بالأمان في كنف الأهل وسط غابة من جماعات تكيد الواحدة منهن للأخرى ، وتعمق فيما بينها التمايز والفردية والانعزالية.. كنا نتحاشى الحديث عن جهينة، ولكنها كانت حاضرة في كل منحنيات تفكيرنا ، فمصيرها ترك جرحا لا يندمل في قلب كل منا.. ذهبت في مهمة صحفية إلى تل الزعتر وهناك لقيت حتفها.. كيف حدث ذلك؟ لا أحد يدري بالتفصيل.. كان عبد الرحمن يجمع المعلومات عنها من أفواه من بقوا على قيد الحياة في تلك الأيام المشؤومة التي كانت فيها النساء يتساقطن عند البئر تحت وابل القذائف، وكانت كل تنكة ماء تكلف تنكة دم.. كان على من يود أن يشرب أو يسقي عياله أن يواجه الموت قبل أن يصل إلى بئر الماء، وقامت النساء بذلك وتركن المقاومة للرجال.. عائلات فنيت بناتها ونساؤها من أجل الماء.. وأطفال كثر ماتوا من العطش والجفاف وسوء التغذية حيث لم يمن من غذاء لهم سوى ماء العدس الذي كان الناس يأكلونه مسلوقا ومشويا أو مطحونا ومخبوزا..

إن من سقطوا في القتال كانوا أسعد الناس، أما المقاومون الذين أسروا فإنهم كانوا يعذبون وهم أحياء برسم علامة الصليب على صدورهم بأسياخ الحديد المحمية بالنار، وغيرهم يربطون بالسيارات ويسحلون بالطرقات وغيرهم تقطع رؤوسهم وتطوف بهم الشاحنات لبث الرعب في قلوب الناس.. ولقد شاهد الصحفيون أفواجا من الرجال الهاربين من المخيم قد أصابهم الرصاص في ظهورهم قبل أن يصلوا إلى مخارج المخيم، والجرحى الذين نقلوا إلى المستشفى وما كانوا يجدون علاجا لجروحهم إلا الماء المعقم والملح قتلوا في أسرتهم في حملة التطهير الكتائبية بعد شهرين من الحصار للمخيم..

حين ذهب عبد الرحمن إلى المخيم بعد توقف القصف وانتهاء المعارك مع الصحفيين كان المخيم ورشة ردم ، والبنايات جميعها ثقبتها القذائف، وكانت جدران بكاملها قد سقطت، وبيوت سقطت سقوفها ودفنت ساكنيها.. كان يضع قناعا وهو يتجول في الأزقة حيث عشرات الجثث تنتشر في الجو، وروائح الموت الكريهة تزكم الأنفاس، وغيوم الذباب تغطي تغطي جثث الرجال والنساء والأطفال .. أما من ناحية أخرى فإن فرق النهب كانت تحمل التلفزيونات والراديوهات وقطع الأثاث ويتسارعون بين الأنقاض وهم يربطون أنوفهم بالمناديل بحثا عن الغنائم.. واختلطت بالميليشيات الكتائبية عائلات بكاملها جاءت في سيارت مع أطفالها لتحصل على نصيبها من الغنائم ولتعمق الكراهية في نفوس أجيالها تجاه الفلسطينيين.. سمع عبد الرحمن أحدهم يتباهى أمام رفيقه ويقول "قتلت البارحة ثمانين منهم، وأطلقت على البعض الرصاص أمام عيون زوجاتهم وأطفالهم، ثم لم أحتمل الصراخ فقدت الباقي إلى شاحنة حيث أعدمتهم فيها وألقيت بجثثهم عند الدكوانة حتى يبدو الأمر وكأنهم قتلوا في المعارك"..

لم يعثر عبد الرحمن على جهينة حية أو ميتة ، وبعد أحداث تل الزعتر بقليل زارغانم أهل جهينة مدّعيا أنها فارقته قبل أشهر غاضبة لأمر تافه كالذي يحدث بين الأزواج، ولما طالت غيبتها ظن أنها حردة في بيت أهلها..

جن جنون أهلها ووالدتها على الأخص "أتتركها ثلاثة أشهر دون أن تسأل عنها وتعرف مقرّها؟ " أجاب غانم "كنت أريد أن أربيها فتكف عن هوسها بالصحافة ومشاكل الفلسطينيين "..

ذكرت حينذاك زيارتها لي قبل اختفائها بقليل.. لم تكن غاضبة ، بل كانت خائفة ترتعد من تصرفات غانم معها، قالت "نبيلة، إن غانم لم يحبني في يوم من الأيام.. كان طامعا في الأملاك التي لنا في جنوب لبنان.. أعطيته وكالة ليتصرف بحصتي منها كما تعلمين، كنت على حق حين أنبتني على هذا التصرف وقلت لي " ليس في شريعتنا نحن المسلمين أن تسلم المرأة ثروتها لزوجها..إن الإسلام حمى المرأة من الطمع في مالها، فلماذا تعطيه إياه برضاها؟ وإلى ذلك فالرجل يعدد الزوجات ويبيح الشرع له ذلك، فماذا لوجاء يوم وتبين لك أنه ليس الرجل المخلص الوفي، وأنه يبيعك لأخرى؟" بدأ الخلاف بيني وبينه على عملي في المجلة، أولا بحجة أنها تأخذ كثيرا من وقتي، وأنني لا أعتني بشؤون بيتي, ولا أراعي ظروفه كزوج له منصب كبير في الدولة، ثم أخذت تلك المشاحنات تكبر فهو يريد أن يستفهم عن أسماء الذين يكتبون في المجلة وهوياتهم ، ولماذا هم يوقعون بأسماء مستعارة، ومن الذي يمول المجلة ، ولماذا تتخذ موقف المعارضة وتدافع عن الفلسطينيين؟ ثم تبين لي أنه يحمل كرها للفلسطينيين لا يقل عن كره الكتائبيين لهم.. كان يقف في صفوف أعداء شعبي، وهو الذي تقرب مني ونال قلبي بسبب لهفته عليهم.. ولما كنت أرفض الإجابة عن أسئلته كان يهتاج وتثور أعصابه ، ويتهمني بأنني أورطه أمام رؤسائه الذين يثقون به، وأنه غلط غلطة كبرى حين تزوج من فلسطينية.. ثم طلب مني رئيس التحرير بعد سفر عبد الرحمن إلى الجنوب أن أذهب في مهمة صحفية إلى تل الزعتر لأنه يثق بي ، وأعطاني عنوان عائلة لبنانية من أقاربه أنزل عندها.. لم أر غانم في مثل ذلك الهياج تلك الليلة، هددني بالطلاق، ولما أصررت على رغبتي في الذهاب حاول ضربي، وكان يجرّ بي إلى النافذة ويكتم صياحي يريد أن يقذف بي من الطابق الرابع، ولكنني عضضته وأفلت منه ، لقد أدميت يده، فكف عن محاولته وخرج من البيت وهو يزمجر.. بعد أن ذهب قررت أن أتركه إلى الأبد.. أحسست أنني أعيش مع عدو، ثم ذكرت الوكالة التي اعطيته إياها، فخلعت درج مكتبه أحاول الحصول عليها ولكنني لم أجدها، لم يكن يحتفظ بها في البيت، بل وجدت ما هو أدهى : صورا ورسائل يخفيها عني .. قرأت رسالة وفهمت.. ليس عندي وقت لأضيعه.. وضعت الرسائل كلها في حقيبتي وجئت بها إليك، فاقرئيها على مهلك أما أنا فسأذهب إلى تل الزعتر.."
كانت خالتي تقص على عبد الرحمن أحوال العائلة .. غانم وضع يده على ممتلكات جهينة بموجب الوكالة التي لديه منها، ولم يكتف بذلك ولكنه يستغل وضع العائلة المادي ويشتري منهم الأرض بأبخس الأثمان..

إن ما لم تعرفه خالتي هو أن الأراضي التي وضع اليد عليها يقطع منها الأشجار المثمرة ويزرعها بالكوكايين!

وما لم تعرفه خالتي وعلمه عبد الرحمن من مخابرات الفلسطينيين أن غانم هجرس ومعه إثنان آخران أحدهما يدعى أنطون وهو كتائبي ماروني وآخر هو رجل المخابرات الذي سجن عبد الرحمن قبل الأحداث كانوا من القادة الذين نكلوا بالفلسطينيين في مخيم تل الزعتر!

وتحدثت خالتي عن حسن الذي التحق بأخيه عبد القادر ووفقه الله في الكويت فسرعان ما كون رأسمالا وشارك كويتيا، وافتتحا معا محلا لبيع الأجهزة الالكترونية اليابانية.. ففي غياب الأمن كان من المستحيل عليه القيام بأي مشروع زراعي ، أما ياسر الذي أصبح فتى في الثالثة عشرة من عمره فإنه كان يستعد لإداء الفحص الإعدادي ، ويعمل في وقت فراغه عند إبراهيم الذي تحسنت أحواله، وحول الطابق الأرضي من منزل عمتي إلى متجر شبه سوبر ماركت، وأسرّت الينا خالتي:

-       ان السعوديين يدعمونه برأس المال والمهربون يزودونه بالبضائع..

سألها عبد الرحمن:

-       من أين تأتي البضائع؟

-         والله لا أعرف.. جائز من الأردن.

-         أو اسرائيل..

-         لا أدري.. من الأردن، من اسرائيل، يكفي أنهم أبعدوه عن طريق الأشقياء الذين يريدون استغلاله في عمليات الارهاب وخطف الطائرات..

كان العرس عائلياً اقتصر على أهل العروسين.. والوجوه في غالبيتها مألوفة لدي.. هذه مناسبة تجتمع فيها العشيرة، فهذا صغير كبر، وهذا شاب تزوج أجنبية وأطفاله شقر زرق العيون، وفلان هاجر مع عائلته الى كندا، وغيره الى استراليا.. واستقبلتنا أم ابراهيم بترحاب كبير وأحاطت بي بنتاها التوأم اللتان أنهيتا دراستهما الثانوية ولا تعرفان ان كان سيتاح لهما دراسة جامعية، أم تنتظران نصيبهما اذ يتقدم منهما ابن الحلال..

جلست أم ابراهيم قرب عبد الرحمن وقالت له:

-       أنت مسموع الكلمة بين الفلسطينيين ياعبد الرحمن.. سمعت أن لجنة من الفلسطينيين يترأسها مدير المصرف العربي في لبنان تريد أن تجمع من الدول العربية أربعة مليار دولار لتعليم الفلسطينيين في الجامعات الأوربية والأمريكية فليتك تسعى لي عندهم من أجل سامية ونادية..

قال لها عبد الرحمن:

-       أنا لم أسمع بهذا الأمر ولكن على فرض أنه صحيح، فالمال مكرس لتعليم الفلسطينيين..

غضبت أم ابراهيم: - ونحن؟ هل نقدم التضحيات من أجلهم ولا ننتفع بهم؟

-       لا يجب أن يرتفع صوتنا يا عمتي، سننظر في هذا الأمر فيما بعد والآن لنستمتع بهذا الفرح الذي قل مثيله هذه الأيام..

رقصت بنات العشيرة ونساؤها الشابات، وكانت سامية ونادية أولى المتمايسات.. تأملتهما باعجاب.. من أين لفتياتنا كل هذه المواهب الفنية وكل هذا الجمال؟ كانت الموسيقى تصدح من كاسيت أعد لهذا الغرض، وكلما انتهت رقصة أو أغنية راقصة غادرت مجموعة من الفتيات الى أماكنهن وتقدمت مجموعة أخرى.. الشعور متهدلة طويلة منسدرة كثيفة كشلال، أو متموجة فاحمة لامعة،

 أو بقصات قصيرة كلها تتناسب والوجوه التي تبرق في لفتاتها والعيون التي تأسر بنظراتها.. كان الشبان يصفقون وحين تعزف نغمة الدبكة اللبنانية يهرعون الى الحلبة ويمسكون بأيدي الفتيات ويرقصون..

لم يكن هناك من بذخ لا في اللباس ولا في الطعام.. والكل شارك في تقديم ما يجيده من أطباق وحلوى؛ ولم يكن هناك من حرج بين الأهل ولا تزمت فالجيل الجديد من الفتيات خرج سافراً، وقليلات هن النساء اللواتي بقين متزمتات يرتدين الحجاب الشرعي حتى في حضور الأقارب..

كانت لدى العائلة تقاليد جميلة فهم لا يتشددون في المهور.. ولما عقد القران زغردت النساء وقام الأهل والأقارب يهنؤون وينقطون العروس بالهدايا، وتقدمت بدوري فالكل ينتظر مني هدية تتناسب ووضعي الاجتماعي، وقبلت العروس ووضعت في جيدها عقداً ثميناً من مجوهرات والدتي التي تركتها لي ولم اتحلّ بها الا مرة في ليلة عرسي، ولما قام الأهل بواجبات التهنئة كانت سوسن يخش معصماها بالأساور وتلتمع أصابعها بالخواتم وهي محاطة بأكاليل الزهر وبرعاية الأهل..

ذكرت جهينة في تلك اللحظة.. الطريقة التي تزوجت بها من أفاك، عقدت قرانها في المحكمة ولم تدع أحدا ًليشاركها فرحها.. ودمعت عيناي.. كانت خالتي في أقصى سعادتها وهي تزف ابنتها الأخرى سوسن الى ابن عمتي ابراهيم، وبدا لي شاباً وسيماً شهماً، ولم يكن ينظر الا الى وجه سوسن يتحدثان معاً ويبتسمان، كان لا يرى في الحفل سواها ولم تكن ترى سواه..

ولكن بالرغم من كل مظاهر التلاحم في هذه الأسرة الكبيرة التي لم يكن يجمعنا بها الا المناسبات البعيدة كان هناك شرخ كبير في علاقاتها وانتماءاتها ومصالحها المتضاربة والمنافسات فيما بينها..

التقيت في بيت جدي أنا وعبد الرحمن بكثير من الأهل والمعارف.. كان الأهل يلوموننا لأننا تركنا صيدا واستقر بنا المقام في بيروت فبعدنا بذلك عن مشاكل المدينة، وما عاد لنا أنصار فيها يساندوننا وما وثقنا صلاتنا القرابية فيها، وكنا نبيع أراضينا للأغراب من أجل أن نبني كتل الشمنتو، وتزوج أبناؤنا أجنبيات وتجنس آخرون بغير جنسيتنا العربية، وبعبارة مختصرة أننا فقدنا الانتماء الذي يجعل لكل زعيم عصبية في مسقط رأسه.. كنت أعرف عن والدي رغبته في الخروج من العلاقات العشائرية في سبيل لبنان ديموقراطي تتعايش فيه كل الفئات.. قال لنا الأهل "هذا غلط، والنتيجة أن لكل الطوائف في لبنان زعيم وميليشيات الا السنة ليس لهم شيء من هذا.. أترى والدي كان على خطأ في هذا التوجه العقلاني وكان سابقاً لزمنه، أم أن الأصابع الخفية التي كانت تريد تمزيق لبنان كانت أقوى منه تبدد ما يحشد وتخرب ما يبنى.. كان لوالدي أصدقاء كثر من مختلف الطوائف ولكنه لم يستطع أن يجمع كلمتهم لانقاذ لبنان وهاهو عبد الرحمن يعاني ما يعانيه.. التقينا في بيت جدي بكثيرين من هؤلاء الأصدقاء الذين جاؤوا للتهنئة وللتعرف على عبد الرحمن، وفي مجلس ضم وزيراً سنياً وزعيماً شيعياً أخذ الاثنان يتهاتران فيتهم الأول الثاني بأنهم وضعوا نفسهم كطائفة في خدمة الأعداء، فيحتج الشيعي دون أن يفقد أعصابه ويرد الاتهام بأن في التعميم تحامل كبير، فاذا كان هناك من التحق بجيش لحد، واذا كان هناك من التحق بالكتائب ونكل بالفلسطينيين في تل الزعتر، فهناك الغالبية وهي في صف الحركة الوطنية تدافع عن أرض الوطن وتدفع من الضحايا أكثر مما تدفع أي طائفة أخرى. ويردف متسائلاً " هل كل السنة أشراف؟ وفي الصف الوطني، ومع الفلسطينيين؟ ولو كانوا كذلك هل كانت الرجعية العربية قادرة على أن تشتري الضمائر وتهجر الناس وتشتري أراضيهم وتلبس رداء المحسن الكبير فتبعث ابناءهم للدراسة العليا لتكون وطأة تسليم الجنوب الى اسرائيل سهلة عليهم حين يحولهم من أصحاب أرض الى مثقفين لا أرض لهم؟"

لم يستطع الاثنان أن يلتقيا على رأي، كان خلفهما ألف عام من الحقد الطائفي، وكل منهما يريد ان يصفي الحسابات القديمة.. وأصاب الشيعي الملل من محاوره وقال له في آخر المطاف "أنت أحمق، ومع ذلك فأنت أخي شئت أم أبيت، كلانا ينتمي الى الاسلام.."

قال أخي عبد الرحمن: - الفتن في هذه المنطقة دائما وراءها دولة استعمارية تزرع في نفوس احدى الطوائف أوهام سيادتها الطائفية وحدها دون الفئات الأخرى.. هذا البلد لا يصلح في حكمه الا ديموقراطية حقيقية واحترام متبادل لايمان الآخرين، وعدالة اجتماعية للجميع.. ان كل المصائب تأتي لأن فئة تلتف حول صنم طائفي تريد أن تركب معه قارب النجاة ولغرق الآخرون في الطوفان.. كنت غداة سقوط تل الزعتر هناك مع الصحفيين الأجانب.. شاهدت ما يفعل الحقد الطائفي، يحول الناس الى وحوش كاسرة.. هل كان المسيح، لو قام اليوم، يعرف هؤلاء الناس الذين يدعون الانتماء اليه يرسمون شارة عذابه ورمز فدائه بأسياخ النار على صدور ضحاياهم؟.. شاهدت ماهو أدهى: مسعور لم يشبع من الدم يقتل طفلاً ويلعق جراحه وآخر يمسك بطفل يبكي بين ذراعي أمه، ينتزعه منها ويقول "أنا سأسكته لك" أمسك بقدمه ولوح به في الهواء ثم رماه بأقصى قوته فاذا به يسقط جثة هامدة..

تذكرت حديثاً دار بيني وبين ريمون يوم مقتل معروف سعد في صيدا.. قلت له " ليست اثارة الفتنة بالأمر الصعب.. لدينا قصة شعبية تتحدث عن شيطان أراد سرقة نهر فدخل قرية آمنة تتعايش فيها فئات من طوائف عدة بحسن المعاملة ونبذ التعصب.. شاهد امرأة تحلب بقرة وجلس يراقبها. سمعت المرأة صياح طفلها الذي كان يتشاجر مع طفل آخر على "الكلة" فذهبت اليهما لتصلح بينهما. فما كان من الشيطان الا أن حرك الوتد الذي تربط اليه قائمتا البقرة الخلفيتان وحله فرفست البقرة سطل اللبن وأهرقته. جاء زوج المرأة ونهرها على اهمالها وحاول ضربها فانبرى لحمايتها جار لها من طائفتها، فتشاجر الرجلان واعتصب لكل واحد رجال من طائفته، وكان بينهما خلاف قديم على اقتسام مياه النهر فوجدتاها مناسبة لاحياء العداء القديم وكيل اللكمات الواحدة للأخرى.. تطور الشجار الى مهاترات ونزاع دموي سقط من خلاله قتلى وجرحى من الطائفتين، وبدأت الثارات التي تأخذ احداها بتلابيب الأخرى وأفنت كلا الطائفتين رجال الأخرى ولم يبق في القرية الا النساء والأطفال الذين يرثون أحقاد الكبار. وانتزع الشيطان من أهل القرية النهر!

*   *   *