الصيــدلي

 

يقول لعبد الرحمن:

-         لماذا لا تصلي؟

-         لأنني لا أحب الذهاب الى مسجد ويكون أمامي شيخ يعلم الناس أن الحاكم "ظل الله على الأرض" لا أحسب مثل هذه الصلاة مفيدة أو هي مقبولة عند الله.. مثل هذا الكلام والاستماع اليه فيه كفر في رأيي ينقض الوضوء ويفسده.

-         أنت لا تصلي لا في المسجد ولا في البيت ويقول عنك الناس بأنك شيوعي..

-         أنا لو كنت شيوعياً لصعدت الى السطح وهتفت بأعلى صوتي بأنني شيوعي، لا أهاب أحداً..

-         ما رأيك بما يجري في لبنان؟ يقولون عنك بأنك شيوعي.

-         أنا لا أكترث الا الى مصائب شعبي.. سألني صحافي من جريدة لوموند الفرنسية كان قد زار لبنان للكتابة عن أحداث تل الزعتر "لو أن الحزب الشيوعي فاز بالانتخابات فماذا يكون موقفك؟" قلت له "أذعن لاختيار الشعب وارادته ولا أقف في صفوف الذين يغتالونها"، ومنذ ذلك اليوم اتهم بالشيوعية لأنني قلت هذا القول على مسمع عدد من الصحفيين كانوا حاضرين..وبهذه المناسبة سأقص عليك قصة سمعتها كثيراً من والدي

جاء رجل كشاهد لصالح ابراهيم هنانو أمام محكمة فرنسية فسأله القاضي:

-         هل تحب فرنسا؟

لو أنه قال "لا" لألغيت شهادته ولو قال "نعم" لبصقت في وجهه الكتلة الوطنية فأجاب "على قدر الإمكان".. وذهب جوابه مثلاً..

وأنا أقول مجيباً على سؤالك المحرج "على قدر الامكان" لأنني حين أسأل عن انطباعاتي ينتظر مني السائل اما مديحاً ليقول "هو شيوعي" أو ذماً ليقول هو "عميل أمريكي".. الناس في لبنان يصنفون اما عملاء للشيوعية أو عملاء للسي آي اي أما الناس الذين يكرسون حياتهم للحقيقة فلا وجود لهم..

-         احمد الله على أنك لست من هؤلاء ولا أولئك .. عد إلى الله, عد إلينا وانضم إلى جماعتنا.. قم بفروضك الدينية التي أوجبها الله عليك تكن من أهل الجنة..

-         يا جار, الله ليس بحاجة إلى صلاتنا بل أفعالنا كي يصلح مجتمعنا .. إن قلوبنا شتى, وأهدافنا ليست واحدة .. طقوسنا لم تعد تجمعنا , لقد أفرغت من مضمونها وتجمدت وأصبحت وثنية..

-         مهما كان رأيك , إنها الوسيلة التي تقرّبنا إلى الله, وتنهانا عن المنكر .. إنني أحبك وأريد لك الخير..

-         أتحسب نفسك قريبا من الله أكثر مني؟ أنا الذي أناضل بقلمي منذ أن بلغت الحلم, وأعرّض حياتي للخطر وأسرتي للجوع وسوء الحال كي أنبه أمتي للخطر المحدق بها, لذاتها المنتقصة وطنيا وعربيا وإسلاميا واقتصاديا!..

-         أوامر الله واضحة جلية .. هل يفصّل كل فرد دينا خاصا به؟

-         يا أخي، الله ليس سلعة قابلة للشراء تحتكره في جيبك كما تحتكر صناديق أدويتك الأجنبية, أنت من يفصّل دينا على قدر مصلحته, فلا تظنّ أن الله راض عنك لأنك تدندن له بكلام لا يلامس غورك.. أتحسب أن الله لا يستاء ولا تزمجر ملائكته غضبا لروح تفارق الدنيا قبل أوانها لأنك تكنز الدواء الذي كانت بحاجة إليه وأبيته عليها في حينه وترفض بيعه إلاّ بالدولار,لتوفره لمن يدفع فيه ثمن الإحتكار؟ أنت جزء من النظام الذي يقهر الناس ويذلهم ويجعلهم عبيدا للدولار.. نظام الربح , نظام السوق الإحتكارية الواحدة..

-         أهو ذنبي؟ هل أبيع بالخسارة؟ الدولار كان يعادل في بداية السبعينات 4 ليرات لبنانية.. إن قيمته اليوم هي 2500 ليرة لبنانية..

-         المشكلة أنك لا تدري شمولية هذه الأوضاع ومن هو إله العصر الحقيقي الذي يعبده الكثيرون من الناس من دون الله.. فلا تكن راضيا كثيرا عن نفسك, وتتباهى بإسلامك الذي سيحرّر العالم, وتجد نفسك من طينة أرقى من غيرك.. لو كانت كل فئة في هذا الوطن تملك التواضع لتعترف لغيرها بحق الحياة لما تمزّق لبنان وأثخن بالجراح, ووجد العدوّ الثغرة لينفذ منها إلينا ويدمّرنا جملة واحدة..

قلت لعبد الرحمن بعد أن انصرف جارنا الصيدلي:

-         جاء للسلام عليك, فهل هناك ضرورة لهذا الحوار معه؟ لاأنت تستطيع أن تقنعه بمفاهيمك ولا هو قادر أن يجذبك إلى مفاهيمه.. حديث طرشان فلماذا تخسر صديقا قديما؟

-         إنني مغيظ منه منذ زمن.. دواء كنت آخذه العام الماضي بمائتي ليرة لبنانية يصبح عنده عشرة أضعافه.. في اللحظة التي يروج فيها دواء يرتفع سعره ويفقد من الصيدليات ويباع بيعا إحتكاريا والسعر القديم لا يزال مكتوبا عليه.. يقول لك "آتي به من الخارج والدولار أصبح بكذا ليرة لبنانية وهو يحتكره.. مرة قال لي " الحاكم ظل الله على الأرض" ونزل من اعتباري.. عرفت أن هذا الكلام سمعه من شيخ المسجد, فهو لا يقطع صلاة, والمسجد لصق الصيدلية, فلا يحتاج إلاّ إلى خطوتين ليصلي فروضه ويؤمن الجنة بعد عمر طويل.. يقول لك "أفضل أن تكون عاما في ظل حاكم جائر من أن تكون يوما في ظلّ الفوضى".. شاهدت زوجته يلفها بحجاب شرعي .. هذا ما يفهمه من الإسلام.. ويعدّ ربحه آخر النهار فإذا ما كانت أدراجه عامرة كانت الدنيا بخير.. أما المصائب التي تنزل على لبنان, أما المذابح التي حدثت بمخيمات الفلسطينيين فلا تهمه في شيء.. "الحاكم ظل الله على الأرض حتى لو حكم البلد "شارون"..

*   *   *