ملف غانــم

 

شغلت بملف غانم الذي جاء به إلي عبد الرحمن، وعرفت تقرير الفلسطينيين عنه بأنه يدّعي أنه مدرّب رياضي، ولكنه يعمل في الجيش برتبة مقدم في الأجهزة الأمنية، وله وظيفة هامشية في دائرة الجوازات والهجرة، ويعرقل إعطاء الجنسية لغير المسيحيين، ويطلب رشاوى كبيرة لتمرير مخالفات، وأحيانا يأخذ الرشوة ولا يلتزم بتعهده، وهو رجل مزواج يختار زوجاته ممن لهن ملكيات أراض ورثنها عن أهلهن، تزوج عمة زعيم درزي تكبره سنا، ثم طلقها لأنها لا تنجب بعد أن استولى على أملاكها، ثم تزوج أخت معاون رئيس المخابرات أنطون، فلم تصبر عليه وطلبت الطلاق منه، وكانت الأخيرة جهينة  التي تزوجها سراً دون علم أهلها، وحين توثقت علاقته بها أخذ يتجسس على الفلسطينيين ويكيد لهم، ويستفيد كسباً مادياً لشخصه حيثما استدار يشتري إرث آل عباد بأبخس الأثمان، والذي كانت جهينة ذاتها تسهله له.. فالضائقة التي كانت أسرتها تعيشها، فتلجأ الى بيع أراضيها، تجعل جهينة تفضل غانم على غيره من المشترين، فهو زوجها وهو سيمنحها الجنسية العزيزة، وما دام يجمعهما الحب فسيبقى الميراث في آل عباد، وكان غانم يقطع شجر البرتقال ويزرع الأرض حشيشا، وكما ظهر بأن أموال الحشيش كان يذهب في معظمه لتمويل الميليشيا المارونية، وأن إسمي غانم وأنطون كانا من بين الأشرس ممن نكل بالفلسطينيين في تل الزعتر.

داخ رأسي وأنا أطالع ما جاء في الملف من أسرار خطيرة.. قلت لوالدي "سأسافر إلى القرية حيث يعيش صديقنا الدكتور ملحم. أذهب في الصباح وأعود مساء، فأعرف أكثر عن هذا المدعو غانم"..

بدأ الشك يساورني أن مؤامرة تحاك حول زوجي بربطه بتلك المشاريع المدمرة وبشبكة التهريب التي امتدت من تركيا حتى فلسطين فلقد سمعت من الدكتور ملحم أن غانم، وهو من قريته، له أملاك واسعة في الشمال يشتريها بأبخس الأثمان من الفلاحين الذين يضعون اليد عليها، وهي ملك لمهاجرين إلى أميركا طالت غيبتهم، وإلى ذلك هي أراض وقفية أبا عن جد تخصهم.. وهو يقطع منها شجر التفاح ويزرع الأرض حشيشاً..

أصابني رعب أرجف قلبي عما يمكن أن تتعرض له جهينة من مخاطر مع كتلة السفالة التي هي غانم..وحين وصلت إلى الحدود كانت هناك شاحنة عارمة بسلع باعة الأرصفة المصادرة: علب الكونسرة, والسمن المهدرج والسجائر، وقمصان النوم والجينزات والثياب الداخلية والحلوى السمسمية والكعك الطازج بالعجوة، والعسكرينقلون محتوياتها إلى مستودع كي يتقاسموها فيما بينهم..كان أكثر ما بعث الحزن في نفسي انكسار بائع كنت توقفت عنده لأشاهد مفارش الدنتيلا من كل الحجوم، عرفت من لهجته أنه لبناني، وما لبث رجال الشرطة أن انقضوا عليه واستولوا على اللفة الكبيرة التي تحتوي عليها.. أخذ البائع يستعطفهم أن يردوا اليه سلعته "عشرات العائلات تعيش منها، ومئات الأفواه تنتظر عودتي بأثمانها كي لا تتضور من الجوع. نحن عائلات مستورة لا نستطيع الهرب الى فرنسا ولا الى سوريا، نعيش في الخطر وتحت القنابل، ونساؤنا تلتقي في الليل وتسهر حتى ساعة متأخرة تغرز الإبر في المفارش؛ هذه العائلات ائتمنتني كي أبيعها لها، ولن يصدق أحد أنكم سلبتوني إياها، يقولون نحن وسوريا بلد واحد ولابد أنك تصرفت بأثمانها".

وددت لو أصرخ بكل قوتي في وجوه اولئك اللصوص في البزات الرسمية، ولكنني كنت قد جئت لمهمة ولا أريد موقفاً يعلن عني، عجباً لهم ! التهريب مباح والتجارة الحرة محرمة!

ذهبت الى عيادة الطبيب ملحم، صديق والدي، فريمون تعرف على غانم في منزل أسرة الأمير السعودي الذي جاء يبحث عن جذوره في القرية الحدودية.

استقبلني بترحاب كبير وسألني عن صحة والدي فقلت له بأنها تسوء يوماً بعد يوم فالكليتين مصابتين ولا يستطيع الطبيب في حالته أن يجري له عملية ويكتفي بالغسل الدوري للكليتين..

وبعد الاستفسار عن بقية أفراد عائلتي قلت له: جئت خصيصاً كي أستفسر منك عن رجل يدعى غانم، تعرف عليه زوج صديقتي في زيارته لأسرة الأمير السعودي.. ان أشخاصاً في الجنوب رفعوا دعوى عليه وكان والدي يحقق في الدعوى فلما أصيب استلمت أنا دعاويه.

قال لي الطبيب "اياك أن تستلمي مثل هذه الدعوى لأن الرجل مدعوم، فلا تتورطي في مجابهته فمخالبه طويلة"

-       حدثني عنه وعن أسرة والدة الأمير اذ يبدو لي أنها تدعمه.

-         أنا سبق وأخبرت والدك عنها.. كان هناك تاجر جوار يأتي الى الضيعة مع أربعة خمسة شباب يشتري مدّ القمح الذي بليرة بنصف ليرة، واذا كان الموسم عاطلاً والفلاح ليس لديه ما يبيعه يقول للفلاح ماذا عندك من بنات فيعدد له بناته، يسأله ما هي أعمارهن فيذكر له. يقول له "أتزوج هؤلاء البنات الى هؤلاء الشباب؟" فيفعل ذلك بمهور قليلة رمزية، وكان الشاب منهم يطلع بأربع خمس زيجات يعقد عليهن في كل جولة في القرى ثم يطلقهن فيبيعهن التاجر الى السعودية بمبالغ كبيرة. حين زار الأمير أسرة والدته اكتشف أنهم لا يعلمون بأنها في السعودية، بل يتخيلون أنها في حوزة الرجل الذي عقد عليها حتى أنهم لا يذكرون اسمه فقد باعوا ثلاث بنات دفعة واحدة. طنطنت القرية كلها بأن اسرة ديب تصاهر أميراً، وارتفعت منزلتها وتوثقت صلة غانم بها، فغانم واثنان من اخوتها هم من أكبر مهربي الحشيش في المنطقة.

-         بأية مناسبة حدثت والدي بأمر هذه الأسرة؟

-         عندما رغب والدك في ارسال زوجة كريم اليه حذرته فهي الأخت الصغرى في العائلة وكانت قد هربت الى المدينة وعملت في مشفى، جاءت الي وأنا أوصيت لها طبيباً في المشفى وقيل لي حينذاك أنها تقيم علاقة مع غانم، ثم تعرفت على أخيك فوجدته أصلح لها.

*   *   *