مذكرات جهينــة

 

خلال القصف جاءت جماعة تابعة لفتح مع أخي عبد الرحمن وقالوا لجدي:

-       إن منزلكم سيكون عرضة للقصف والهجوم والتدمير، إنه مستفرد، خذوا معكم الضروري من حاجاتكم وسارعوا إلى صيدا، سيدلكم السائق على منزل للمقاومة تنزلون فيه، وسنبقى نحن هنا لصد الطائرات المغيرة وأسقاطها..

-         كان الجميع في هرج ومرج. رفض جدي في البداية هجر البيت ولكنه انصاع أخيرا لنصيحة عبد الرحمن . وكان الشيء الوحيد الثمين لديه والذي لا يستطيع نقله هو الأراضي التي يملكها، المزروعة على مد البصر بغابة من أشجار البرتقال، فحمل معه مجموعة الأوراق التي تثبت ملكيته لها.. وأخذ يبحث عن نظارته ، حين دخلت جهينة وقالت له "جدي كلنا حاضرون" ووجدت له نظارته ، ولكنها نسيت دفتر مذكراتها ..

لا أعرف تفاصيل ما جرى وكيف وصل الدفتر إلى والدها وهو بدوره أرسله لوالدي مع شاب فلسطيني يثق به ومعه تقرير الفلسطينيين والمراسلين الأجانب عما جرى في تل الزعتر. وبينها تقرير عن أحد أمن ميليشيا الموارنة يتبجح فيما بعد أمام جمع من الناس:

-       ذبحناهم جميعا، الرجال والنساء والأطفال، وتركنا الجثث تأكلها القطط والفئران".. رقيب كردي منع رجاله من اغتصاب الفتيات الصغيرات فقتل بيد ضابط أعلى منه رتبة بين المهاجمين، ميليشيا القس شربل يضعون رؤوس الضحايا الفلسطينيين على قبب سياراتهم ويتجولون في المدينة، الهاربون من المخيم المحاصر بالدبابات يقتلون في ظهورهم، نساء وفتيات مقطوعات الأيدي والأصابع والآذان لأن القتلة كانوا في عجالة لنهب ..جريح بقي على قيد الحياة يشاهد معركة بين الجلادين على اقتسام الغنائم من السلاح .. هذا المخيم الذي سكنه الفلسطينيون ، مسلمون ومسيحيون أرثوذكس والذي أبيد بشكل تام ما كان الغرض من حصاره وتدميره طائفياً، الشعب نفسه هو الذي يباد، يخرجونهم من فلسطين ويبيدونهم في لبنان.. قال والدي:

-         لماذا يبقى عبد الرحمن هناك؟ الفلسطينيون يهاجرون إلى بيروت ، ولا يبقى منهم أحد..

-         تبقى المقاومة والحركة الوطنية أيضا، عبد الرحمن هوأحد حماة الجنوب

وحدثته بأنه يعتصم في بيت جدي مع جنود من فتح لضرب الطائرات المغيرة..

-         أعلم ذلك لقد تلفنت إلى صيدا، ولكنني أقول لماذا تبقى زوجته وابنه وابن كريم مهددين هناك في صيدا؟

-       أنت تعرف ثريا، ترفض أن تكون بعيدة عن عبد الرحمن، تقول لي "لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".

*   *   *