لم أعد أحتمــل

 

لاحظ والدي كآبتي ، ووجدته يستدرجني لأصارحه بمكنون نفسي ورغبتي في الإنفصال عن زوجي.. قال لي:

-         لقد أعطيتك الحرية لتختاري زوجك، ولكن يبدو لي أنك عقدت صفقة خاسرة، ألاحظ أن ما بينكما ليس على ما يرام..

-           أنا لا ألوم إلا نفسي، ولهذا كنت أكتم عنك ما ألاقي كي لا أضيف هموما إلى همومك، ولكنني لم أعد أحتمل.. إن قرنا حضاريا يفصل بيني وبينه، ولا أجد ما يوجب علي أن أضيع عمرا بكامله وأنا أدفع ثمن الغلطة الي اقترفتها بزواجي منه..

-           مم تشتكين ياابنتي؟ هل يؤذيك؟

-           أشك أنه يخونني، ولو تبين لي صدق شكوكي فإنني لن أبقى معه يوما واحدا.. لا أريد منه حقوقي.. لا أريد إلا أن يحررني، ويترك لي رعاية ابنتي..أريدأن أعمل وأكفي نفسي..

-           إنها حياتك يا ابنتي وأنت أدرى بمصلحتك، ولكن لا يعني هذا أنني أسمح بتجارب جديدة.. ليس هناك من تجارب جديدة للزواج في أسرتنا.. يجب أن تضعي نصب عينيك هدفا واحدا في الحياة وهو ابنتك.. إن تربيتها تستغرق حياتك كلها ، وكذلك مهنتك فهي مهنة متاعب..

-           إنني لا أفكر إلا بابنتي ومهنتي..

-           المرأة في سنك وفي وضعك تكون مغرية للرجال.. يظنونها هدفا سهلا، ويجهدون ليوقعوها في حبائلهم.

-           بالعكس، إنني اليوم أكثر نضوجا وأعظم خبرة بالحياة، وأعرف ما أريد وما لا أريد.. فقط أريد أن تمنحني ثقتك.. فعملي يتطلب مني التعامل مع الرجال، وأنا لا أريد أن أشعر أنني دونهم في أي مجال لأنني أنثى.

-           في حدود اللياقة واحترام الذات أنا لا أعارض أبدا عملك وتفوقك فيه بل أحبذه .. ولكن تذكري دائما أننا مجتمع شرقي ولا تقفي موقف الشبهات.. فكل العيون مسلطة عليك، وكل الألسنة الفاجرة تنتظر أن تنال من سمعتك، ولتجد العيب فيك في انفصالك عن زوجك.. ولا تنسي أن زوجك قد يمارس سلطته الأبوية وقوانينه لينتزع منك ابنتك، لا بدافع الحب، وإنما رغبة في إرضاخك وإذلالك، ولا بدافع مصلحة البنت لأنه يعلم أن بيتنا هو خير مرب للفتاة، ولكن بدافع الغرور والتبجح والعادات القبلية ليلقي بها بين براثن جهلة متزمتين أو خدم لا مبالين وكلهم أفسدهم البطر.. لاأريدها أن تشب على شاكلتهم أو تتطبع بأخلاقهم وتعيش بينهم حياة الجواري..

-           هذا ما أضعه في حسابي يا والدي.

-           ناسب زوجك بيتا أصيلا شبع مدنية ومجدا، في الماضي والحاضر.. حقيقة أننا لا نضاهيه بالمال ، ولكن ليس لديه ما ينقصنا، ولدينا الكثير مما ينقصه، فلا تجعليه يعلو علينا بما عنده من عرض الدنيا.. الناس لا زالوا يعتبرونني برجوازيا عقاريا ويعاملوني على هذا الأساس لأنني أملك عمارة بعدة طوابق، وهي كلها مؤجرة حسب الأجور القديمة منذ عشرين عاما، ولا يحق لي إخراج المستأجر منها، ولهذا لا أستطيع أن أقدم لك الكثير.. إن ما أملكه حقيقة هو هذا البيت الذي نسكنه والمكتب وما أربحه من القضايا.. فعليك أن تعتمدي على نفسك، وتسوي أمورك على هذا الأساس..

-           هذا ما سأفعله، وأتمنى أن أكون على مستوى الثقة التي تمنحني إياها.

-         إننا لا نتمسك إلا بهذه الفتاة التي تساوي عندنا ملك الدنيا بأسرها.. ننسحب بهدوء ودون ضجة وبغير كلام كثير وفضائح، فهو يبقى والد إبنتك، وما يمس سمعته يمسها أيضا.. نتصرف نحوه تصرف الكرام، ولا نتشبث به أبدا.. ولكنني مع كل هذا أنصحك أن تعطي زواجك فرصة أخرى إن كان بإمكانك التأثير فيه وتغييره إلى الأفضل..

*   *   *