زوجة أخرى

 

سافر عبد الرحمن في اليوم التالي.. كان يعرف صديقاً له في بيروت لديه أراض في المنطقة الحدودية فزاره وتحادثا عن أيام دراستهما الثانوية وشقاوتهما وسأله عن أحوال ضيعته فقال:

-         البارحة الحكومة قتلت اثني عشر من المهربين ونسفت بيوتهم.. عصابات تقتتل.. انني لا أذهب الى بيتي في الجبل.. الجنة بلا ناس لا تداس. أهل القرية ما عاد واحدهم بالإمكان الحديث معه.. بدل السيجارة صار يدخن سيجاراً وكل واحد عنده سيارة خاصة من التهريب.. وصل بهم الأمر والعدوانية أن أحدهم اغتصب امرأة أمام زوجها! كنا نعيش من الاصطياف فلماذا لم يعد الكويتيون يصطافون عندنا؟ يدخل أحدهم فندقاً فيعطونه شراباً فيه هيرويين، ويشلحونه كل مامعه! قصص لا تصدق، وأنت تنظر الي كأنك لا تصدق.

قال له عبد الرحمن: - لقد أثرت فضولي.. أنت تعلم أنني تركت الجامعة وعملت صحفياً

-         في أية صحيفة؟

-           بدون تعيين أكتب في عدة صحف.

-           على كل حال.. أنا لا أقرأ صحفاً.. كلها تنشر الأكاذيب.

-           أنا أبحث عن حقائق.. اعزمني بضعة أيام لأرى بعيني ما يجري.. أنا لا أريد أن أنزل في فنادق فلماذا أنزل في فندق وصاحبي وحبيبي عنده قصر وبستان تفاح؟

-           لا تكمل! لن أدعوك.. مديون والله عالم بالحال.. ما عدنا نحن الأسياد.. المهربون هم الأسياد، هم الذين بأيديهم المال.

-           سآتي معي بالمعلبات ولن أكلفك شيئاً بل أساعدك حتى في جني التفاح الذي حان قطافه.. فقط أريد أن أدرس وضع هذه القرية الحدودية دون لفت الأنظار الي، ونستعرض في هذه المناسبة ذكرياتنا أيام دراستنا الثانوية.

-           كم كنا أخلياء البال، وضحكاتنا ومرحنا تضج في أروقة مدرستنا. ماذا جرى لنا يا عبد الرحمن؟

حين عاد عبد الرحمن من زيارته لصديقه بعد اجرائه عدداً من التحقيقات في تلك القرية أخبرني أن زوجي متزوج من امرأة أخرى في بعلبك وأن تلك المرأة هي أخت غانم وله منها صبي يصغر ابنتي بعامين وأنه كان يخونني منذ ثلاثة أعوام وأنا لا أدري.

انقض الخبر علي كالصاعقة.. رأيت نفسي وقد وضعت في مكان محاط بالأعداء والمفسدين والمنافقين والمافيا والمهربين.. أحس بهم ولا أستطيع أن أشير بالبنان اليهم. يكمل الواحد منهم دور الآخر، والأمور تجري بتؤدة، والسكين تغوص في قلب وطني الحبيب لبنان.

ماذا أفعل؟ ما كنت أريد الانفصال عن زوجي في محنة لبنان والحرب على الأبواب تهدد بها اسرائيل حدودنا معها بحجة أن الفلسطينيين في الجنوب يهددون مستعمراتها الشمالية.. كنت أعرف ما يجري هناك من الصحف التي تحملني اياها جولييت صديقتي بعد أن يقرأها ريمون وأعرف ما يعده زعماؤها وما ينفذوه بالتدريج.. قرأت يوماً عن خطة موشي دايان لاحتلال لبنان.."كل ما بقي علينا أن نعثر عليه ضابط، حتى مجرد نقيب، يجب أن نكسبه الى قضيتنا، وأن نرشوه، ليقبل الاعلان عن نفسه كمخلص للسكان المارونيين. حينئذ سيدخل الجيش الاسرائيلي لبنان، وسيحتل الأراضي التي يقيم منها نظاماً مسيحياً حليفاً لاسرائيل، وسيجري كل شيء بسهولة فائقة. وسوف تضم الأراضي الجنوبية كلياً الى اسرائيل".

وفتح عبد الرحمن عيني، في زياراته المتكررة الى بيروت، على حقائق كثيرة تتعلق بالمؤامرة على لبنان، وتحويل الصراع فيه من صراع اجتماعي الى صراع طائفي. قال لي يوماً  "ان نائب جبيل الذي حاول أن ينقذ التعايش الاسلامي المسيحي ويفضح لعبة الميليشيات المارونية والغزو السوري يؤكد أن مخطط كسينجر في تقسيم لبنان يعمل بكل نجاح، ولم يبق الا تنفيذه عملياً بهجوم اسرائيل على الجنوب حتى الليطاني، وضم مياه لبنان والأراضي حولها الى اسرائيل لإرواء النقب، ويعطى ما تبقى من أرض لبنان للموارنة، وتضم سوريا شمال لبنان والبقاع لتعويضها عن الجولان الذي ضمته اسرائيل منذ عهد قريب".

وقال لي في مناسبة أخرى  "الآلة الجهنمية ركبت لتعمل على تصفية منظمة قوية ومستقلة، هي عقبة كأداء لتنفيذ هذا المخطط. فبحجة تأديب الفلسطينيين الذين يهددون أمن اسرائيل يخترق لبنان ويقسم طائفياً. ان أسلحة اسرائيلية تصل الى ميناء جونية، ويتبع قادة عسكريون مارونيون دورات في اسرائيل."

عرفت الآن سبب كره زوجي للفلسطينيين! انه متورط في المؤامرة على لبنان بسبب غفلته أو مصالحه الضيقة أو كليهما معاً. فهو لا يقرب المفسدين منه عبثاً ويسخو عليهم في العطاء، بل تنفيذاً لهدف تمزيق لبنان.

بقيت مترددة في طلب الطلاق من زوجي ومخالعته.. كان يأتي الى بيتنا محملاً بالهدايا لابنتي، ويتودد الي حتى أن الصغيرة كانت لهفة لذراعيه يضمانها وهي تقول له "بابا شو جبتللي؟" وكان كرمه يفيض على ابن عبد الرحمن وابن كريم فيأتيهما بالهدايا المناسبة لعمرهما.. وكان يجلس في حلقة المعزين بوفاة والدي من أصدقاء وجيران وأقرباء يتحدث عن حبه للبنان واللبنانيين؛ ويتقاطر الناس الى بيتنا لرؤيته ولمد جسور الصداقة معه للمشاريع المقبلة في لبنان.. حتى جارنا الصيدلي أراد منه قرضاً لمصنع يريد انشاءه لتعليب الحليب المجفف!

*   *   *