هجرة الأموال

 

زارني هشام وزوجته وأخبرني عن هجرة الأموال العربية من بيروت الى نيويورك، وأن عدداً من المصارف يغلق أبوابه وحدثني عن احتمال صرفه من العمل..

سألته: - ماذا تفعل في هذه الحال؟

-         أعمل استاذاً للاقتصاد في جامعة الكويت، وأرتب أموري وأنقل أسرتي.. ان هجرة الأموال مؤشر صارخ على أن هجوماً موشك الوقوع على لبنان، وأنا لا أريد البقاء في مكان تهتز فيه الأرض تحت أقدامي.

كنت في صراع بيني وبين نفسي لا أعرف ماذا أفعل.. لا أريد موقفاً مسرحياً لأقطع علاقتي بزوجي وأصبح حديث الناس.. أردت أن يجري كل شيء في صمت، لا يعلم أحد بأمره الا أخي عبد الرحمن، ولا أستطيع أن أتصرف بحمق وأطلب الطلاق دون أن أعريه وأكشف علاقته المشبوهة بغانم رجل المافيا الذي أوكل اليه ادارة مصرفه.. ما أردت أن أثير ذعر الناس على أموالهم في مصرفه فيصيبه الافلاس وخصوصاً بعد أن مر بي عبد الرحمن بعد أسابيع قليلة من عودته الى صيدا وأكد لي خبر هجرة الأموال من لبنان. قال لي:

-         يا نبيلة ان حدث قتال في الجنوب فسأبقى على اتصال بك عن طريق الفلسطينيين.. ثقي بهم، ربما احتجت الى مال، أي شيء تحتاجينه أؤمنه لك حتى تنجلي الأمور.

-           ان كنت متأكداً من أن هجوماً سيقع فلماذا تعرض زوجتك وابنك وابن كريم للخطر؟ جيء بهم الى بيتنا، بيت والدك الذي أوصى لك به ورفضت أن تنفذ وصيته، أنت وأسرتك أحق الناس به وأنا أكون ضيفة في بيتكم..

-           معاذ الله يا نبيلة، أنت الأصل، أنت أختنا وحبيبتنا، ولو أن الظروف سارت بشكل طبيعي لتنازلت لك عن حصتي فيه، وكريم لا يدري أحد أين أراضيه، وهشام لو حاول بيعه لوقفت دونه بكل قوتي. البيت وطن الانسان، وأنا أضع دمي على كفي لنصرة الناس الذين شردوا من بيوتهم ولجأوا الى لبنان.

-           أكرر لك أن بيروت آمن لزوجتك وابنيك التوأم.. كل من رآهما ظن أنهما توأم، وتركت الجميع على ما ظنوه.

-           لو وجدت أن خطراً أكيداً يتهدد صيدا لجئت بهم الى بيروت على الفور.

زارني هشام مرة أخرى وحده وأخبرني أن المصرف الذي يعمل فيه نقل الودائع وغطاء الذهب الى نيويورك "سألني زوجك فيم اذا كنت أرغب أن أرافقه الى المصرف الجديد هناك وأقوم بإدارة أعماله فرفضت، كنت قد تقدمت بطلب الى جامعة الكويت وجاءني الرد بالايجاب.. ولست أريد أن أبتعد كثيراً عن لبنان، فلو فعلت لتشبثت زوجتي بوطنها، وفرضت علي هجرة دائمة، انني أطمع إن هدأت الأحوال أن أصبح وزيراً للمالية في لبنان. أعطاني تعويضات كبيرة عن خدماتي.."

-           من سيقوم بإدارة أعماله في بيروت؟

-           سيترك غانم ليقوم بالأعمال الروتينية والأمنية في بيروت.

لجمت غضبي واستفسرت من هشام عما يترتب عن مثل هذا التصرف وما تأثيره على اقتصاد لبنان.. قلت له:

-         أنا لا أفهم في الاقتصاد وهذا الأمر قد أقض مضجعي خوفاً، أخبرني كيف يوكل شؤون مصرفه الى رجل مثل غانم له إضبارة ملأى بالرشوة والفساد في السفارة الأمريكية؟ حدثني ريمون عنه الشيء الكثير.

هز هشام رأسه أسفاً وقال: - أعرف هذا.. ان هذا سيؤدي حتماً الى افلاس المصرف وانهيار العملة في لبنان وضياع حقوق الناس. هذا سبب وجيه لرغبتي في العمل في الكويت، ورفضي مرافقته الى نيويورك.. حتى لا أشارك باللعبة القذرة وانهيار الاقتصاد.

صحا أخيراً ضمير آل عباد في نفس هشام وقدرت له هذا الموقف، وأخفيت عنه متاعبي الخاصة.. انه يستقيل بطريقة لبقة حتى لا يؤذى في سمعته.. انه شاب حصيف ينظر بعيداً ويهرب من قصر اشتعلت في النيران.

شخص واحد يستطيع أن يفهمني ويستطيع أن يساعدني لفصم علاقتي مع زوجي انقاذاً لسمعتي المهنية.

ان جولييت هي جد كتومة، أما أخي فلا أستطيع أن أبوح له بأسراري فيحدث بها زوجته وهي اذاعة متنقلة محبة للثرثرة وانتقاد الرجال المسلمين المتعددي الزوجات.

قلت لريمون: – انك شديد التأثير على زوجي، فانصحه أن يطلقني.

قال مندهشاً : - يطلقك!

-         نعم

شرحت له أسبابي وأضفت: - ان ابنة جلال عباد لا ترضى أن تكون شريكتها في زوجها أخت رجل المافيا غانم.. انني قادرة أن أخلعه فديننا يسمح بذلك، إن رفض الطلاق، ولكنني لا أريد فضائح في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.

*   *   *