اختطاف نورا وجهاد

 

عشت فترة من الرعب حين اكتشفت أن غانم يحوم حول مدرسة ابنتي.. أترى زوجي السابق أوكله بمهمة اختطافها؟ شعرت بنذر ذلك الأمر وفقدت الأمان.. ليست لدي الوسائل لحمايتها أو حماية ابن أخي عبد الرحمن.. أفكر ليل نهار بوقايتهما من التهديد المباشر الذي أصبح أشد خطراً عليهما من تهديد العدو بقصف بيروت.. أوصلهما بسيارتي الى المدرسة وأعود بهما، ويخيل لي مراراً أن هناك من يلاحقني فأتحاشى الشوارع الخالية وأغير كل يوم من مسيري، ويضطرني الازدحام للتأخر في الطرقات وتأخيرهما من بدء الدوام.. ثم وجدت الأمر غير محتمل فاحتجزتهما في البيت، ثم أصبح الأمر يقلقني في أن لا يتبعا أوامري الصارمة في تجنب فتح الباب لأي كان، فصرت آخذهما معي الى المكتب ثم خطر لبالي أن أرسلهما الى فرنسا عند عمي فيجد لهما مدرسة داخلية ولكن وصلتني رسالة من ليزا جعلتني أعدل عن هذا الأمر.. أخبرتني أنها حامل وأنها تعمل كمترجمة في نفس سفارتنا في باريس مع زوجها وأنها تقوم بالعناية بوالدها وأخويها.. فكرت في أهلي جميعهم في الجنوب، خالتي وعمتي.. ان أهل بيروت يستبعدون العدوان على بيروت، ولكنهم شبه واثقين بأن العدوان سيقع على جنوب لبنان لتصفية الفلسطينيين.. فكرت في جميع الأصدقاء الذين قد يساعدونني في أزمتي، ولكن ما أندرهم وقت الأزمات. لم يكن من أحد راغب في معاداة رجل كزوجي قد ينفعهم وقد يضرهم اذا لزم الأمر، وما كنت راغبة لأشرح لأحد المخاطر التي ترمي بظلالها على جميع أفراد أسرتي، جميعهم مهددون من العدو الخارجي لمواقفهم غير المرنة، ومن خصوم الداخل. وأجد السبل مسدودة في وجهي، وأخيراً قر عزمي على أن التجئ لمظلة البندقية الفلسطينية.

ذهبت الى المخيم وقابلت والد جهينة في مقره. كانت الأنباء التي وصلتهم من الجنوب عن قصف القرى الشيعية وهجرة عشرات الألوف الى ضواحي بيروت تجعلهم متوترين.. وكان زوج خالتي مكتئباً من تسارع الأحداث.. خائفاً على أسرته، وسألته فيما اذا وصل أي خبر عن ابن عبد الرحمن فأجابني بأنه ستجرى له عملية استئصال للساق وتركيب ساق اصطناعية.. بكيت، لم أخبره أنه ابن كريم وأن ابن عبد الرحمن هو الذي جيء به الي ليكون في حمايتي بعد أن قصفت الطائرات منزل عبد الرحمن في عين الحلوة القريب من مخيم اللاجئين وكانت ثريا التي رفضت مغادرة صيدا لتكون قريبة من عبد الرحمن بين الضحايا..

سألته عن عبد الرحمن الذي كان في الخندق الأمامي يدافع مع الحركة الوطنية عن لبنان فقال:

-       رآه أبو عمار في اجتماع صيدا بين الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية.

-       أنا لا أعرف أين أتصل به بعد أن دمر بيته .. كنت أعرف أخباره من ثريا.. وأجهشت بالبكاء.

-       لا أحد يعرف مصير أهله

-       ان ابن عبد الرحمن الثاني الذي وجدتموه مع صبية في اقليم التفاح وأرسلتموه الي لا يفتأ يسألني عن أمه وأبيه وأخيه..

لم أستطع أن أكمل، لقد رن جرس الهاتف يطلبونه لتنظيم فوج من المهجرين الفلسطينيين في مخيم قرب بيروت.

عدت الى البيت وليس لي رغبة أن أحمل غيري همومي ومخاوفي.. فكرت أن أعتزل عملي، وأرعى ابنتي وابن عبد الرحمن فهما الوحيدان اللذان بقيا لي في هذا العالم..

فتحت الباب بالمفتاح وناديتهما فخرجت الخادمة الفلسطينية جزعة وهي تقول لي بأن شاباً جاء ومعه هويتي فوثق الصغيران بكلامه وذهبا معه!

دار رأسي وقد أصابني ذهول.. تذكرت أن هويتي سحبت مني حين كنت أستأذن في الدخول على مركز القيادة وأنني حين خرجت لم أطلبها ولم ترد الي.

عدت أدراجي الى المخيم كي ارى أبو جهينة وأعلمه بما جرى فيساعدني في التحقيق ويعرف هوية الخاطفين ولكنني لم أجده.

ذهبت الى مخفر الشرطة وقد طار عقلي.. لا شك أن زوجي نجح في اختطاف كلا الولدين، ولكن اذا كان مفهوماً دافعه لاختطاف ابنته فأي دافع له في اختطاف ابن أخي؟

وجدت هناك هويتي وقيل لي أن رجلاً وجدها ملقاة في الشارع الموص الى بيتي، فقلت للمحقق أنها سلبت مني وتم بها اختطاف ابنتي وابن أخي، وأنني أتهم غانم اليد اليمنى لزوجي بعملية الاختطاف.

ذهب أفراد من الشرطة الى المصرف، وكان يقف أمامه مئات الأشخاص يريدون استرداد أموالهم ولكنه مغلق، وكلهم يتساءلون هل أعلن افلاسه.. وكان غانم في الداخل يعطي الأوامر للموظفين أن لايعطوا المودعين عملة أجنبية، ولما طلبت اليه الشرطة الذهاب معهم للتحقيق قال:

-       أمن المعقول أن أترك المصرف وهو على هذه الحال وأذهب معكم؟ ما هي التهمة الموجهة الي؟

-       اختطاف طفلين من منزل المحامية نبيلة عباد

وقهقه غانم قهقهة طويلة

-       ان الطفلة هي في حجر والدها وقد بلغت السن الذي يحتضنها فيه والطفل هو في حجر أمه التي هي أختي وزوجة الأمير وقد أقلتهما طائرة خاصة وخرجا من لبنان بموجب أوراق رسمية.

*  *  *