برقيتان

 

يتصرف غانم وكأنه صاحب المصرف، يعطي المودعين أوراقاً لبنانية لا غطاء لها ويرفض اعطاء المودعين عملة أجنبية وتنهار قيمة العملة اللبنانية ويستشري التضخم ويكثر في المدينة المتسولون والجياع والمضاربون بالعملة والشارون للأراضي بأبخس الأثمان.

أرسل أنطون الذي تركه صاحب المصرف ليكون عيناً على غانم برقية الى نيويورك يعلم الأمير بما يحدث ويطلب حضوره على الفور.

لم أجد من التجئ اليه في محنتي الا جولييت، وما كنت أعلم إن كان زوجها قد سافر الى ايران أم بقي في لبنان وقد تأزمت الأوضاع. ولحسن حظي وجدت أن جولييت كانت فرحة لأن وزير الخارجية الذي كان على خلاف معه قد أقيل من منصبه، وأن ريمون بقي قربها في لبنان..

انتظرته حتى جاء وأخبرته بما فعل بي زوجي، وبما أنه صديقه فلا بد أن يعرف عنوانه ويعرف وسيلة التأثير عليه.

وصلت الأمير البرقيتان في آن واحد، فأسرع الى العودة الى بيروت قلقاً وقد أذهلته المصيبة التي نزلت على أم رأسه فهو لم يطلب من غانم أن يقوم بهذا العمل.. لم أصدقه في البداية وظننت أنه يتآمر علي مع غانم! ولكن غضبه الهادر عليه واتهامه اياه بالخيانة والابتزاز واللصوصية، ولهفته على ابنته التي هي عرضه، والخوف عليها من أن تتعرض للأذى، جعلني أوقن أن ليس له يد في هذا الأمر.

-       ماذا تنتظر؟ لماذا لا تذهب اليه ما دمت تتهمه؟

-       لأنني لا أعرف مقره.. فهو غائب عن المصرف..

-       لماذا لا تؤلب عليه رجال الشرطة فيقبضون عليه؟

-       الأمور لا تؤخذ هكذا، في الفوضى وغياب الأمن في لبنان، يجب أن أعرف دافعه لهذا الأمر! فإن كان يريد مني مزيداً من المال أعطيته اياه.

-       يا الهي حتى وابنتك مهددة أفشل في أن أنقل اليك عمق المصاب الذي يفترض أن يكون مصابنا معاً.

-       كل شيء سينتهي الى خير، الى خير انشاء الله.

-       أتسكن أوجاعي بهذا التفاؤل البليد؟ مصيبتي مزدوجة في ابنتي وابن أخي الذي هو أحب أخوتي الي، ابن أخي عبد الرحمن..

-       أنا لا أستبعد غانم، ولكن قد يكون من فعل ذلك جماعة أخرى، البلد مليء بالعصابات.

-       قد يكون! رغم اعترافه للشرطة بأنه فعل ذلك، ورغم تزويره بأنك أنت وراء عملية الخطف؟

-       لا يجوز أن أحكم عليه قبل أن أراه، وأعرف دوافعه.

-       ولن تحكم عليه لأنه ظلك، كان هلاماً فصنعت له عموداً فقارياً وكسوته باللحم، ولكنك فشلت أن تصنع له الجملة العصبية الواعية. هل كان غانم يفعل ما فعل لولا أن عينيك كانتا تشعان ضوءاً أخضر؟ انه يعرف العمق الموحل في أغوار رغباتك، ويعرف أن يسبح في الأوحال.. اذهب اليه، لاحقه ولا تتأخر فأنت لا تعرف ماذا يمكن لعقله المجنون السافل أن يفعل.

-       هدئي أعصابك! هدئي أعصابك! ليس من مصلحته أن يؤذي ابنتك أو ابن أخيك.. كل ما يسعى اليه الابتزاز، وسأجده انشاء الله وأتفاهم معه..

-       ألم يحدث لك في حياتك أن تملكك الرعب فإذا بك تنام وثلاثة أرباع دماغك مستيقظ يفكر في أبعاد المصيبة التي نزلت بك، في ابنتك التي قد تتعرض للاغتصاب أو الموت، وتحس بأن قلبك قد توقف عن الضخ، وتستيقظ على ألم في كل جارحة فيك كأنما تنتزع الروح منك، ثم تصحو وتفكر واعياً، فلا يزيدك الوعي الا يأساً، ولا ينجلي الظلام أبداً ؟ أشك أنك بلغت يوماً ذلك المدى الذي يصهر النفس فتولد مرة أخرى وقد انكشفت أمامها الحجب وزالت الأوهام.. أنت تطرد ما يزعجك بالشراب، ويتبلد شعورك وتتفاءل، وأنا أعيش محنتي وحدي.

-         أقسم أنني لن أعرف الشرب حتى أجد ابنتي. سأقيم الدنيا وأقعدها حتى أستردها..

-         ابدأ البحث عنه في الجنوب، في الأرض التي يملكها جدي وأصبحت في حوزة غانم.. انها أملاك وقفية لأسرتي.. لقد مر بها أخي عبد الرحمن في آخر مرة زارني فيها فوجد أن أشجار البرتقال المثمرة قد قطعت وزرعت الأرض حشيشاً..

جئت بملف "جهينة" وشرحت له كل شيء عن غانم: تقرير المنظمة، وتقرير السفارة الأمريكية الذي جاء به ريمون الي ونسخته بدوري.. وحدثته بما فعل بريمون الذي أوصل شكواه منه الى البيت الأبيض، وأخبرته عن العلاقة التي تجمع بين جهينة وغانم وأردفت:

-       جهينة هي ابنة خالتي الفلسطينية التي خدعها غانم بحب مزيف فتزوجت به سراً ووثقت به ومكنته بوكالة منها أن يستولي على أراضي جدي. ان دوافعه لحربي ليس لمجرد ابتزاز بضعة ملايين من الدولارات منك، بل ليمتلك المليارات من الأرض التي يمتلكها آل عباد في الجنوب!

*   *   *