البحث عن غانم

 

الوقت صيف وفي قلبي نار تستعر، ذهب زوجي للبحث عن غانم في الجنوب، وذهبت أنا الى الشمال للبحث عنه في قريته الحدودية. قابلت الطبيب وأسررت اليه بكل مشاكلي وهمومي وما جرى لي ولأسرتي بسبب غانم، قال لي ناصحاً:

-         ليتك استجبت لرغبة زوجك وسافرت معه الى نيويورك أنت وابنتك، ان لبنان اليوم على كف عفريت..

حتى هذا الرجل الحيادي وجدني ملومة في رغبتي بالإنفصال عن زوجي!

-  نحن الشرقيون لنا قوانيننا الشرعية الخاصة بنا.. أنت محامية وتعرفين أن حضانة الأولاد هي من حق الرجل دون المرأة، وأنه سيكسب المعركة إن عاجلا أو آجلا..

-  إنني أتنازل عن كل حقوقي، حتى الشيك الذي أرسله إلي مع صديق له لم أصرفه لأرده إليه..

-  حتى لو كنت أنت من طلب الإنفصال، وحتى لو كان تزوج أخرى وله منها ولد فهذا لا ينقص حقوقه في حضانة أولاده..

-  هذا ليس عدلا!

-  الشريعة عادلة، وهي تناسب معظم النساء في مجتمعنا، وخصوصا إن كن لا يعملن، فليس كل النساء شبيهات بنبيلة عباد. إن حدث وتنازل لك عن حقه فهذا لا يجري في قاعة محكمة بل برضاه مهما كانت أسبابك للإنفصال مقنعة..

-  أعلم ذلك، إن همي الآن أن أجد ابنتي وابن أخي عبد الرحمن.. فهما كل من بقي قريبا مني في أسرتي.. هما هاجسي الذي يقض مضجعي، وأنا عاجزة عن حمايتهما في أوضاع لبنان الحالية. لا أريد الآن إلا أن يكونا في أيد أمينة خارج البلد.

-  معك حق، الأمور تتأزم يوما بعد يوم بتسارع مريع، أما من ناحيتي فإنني سأتقصى لك أخبار غانم، وآتي بنفسي إلى بيروت لأعلمك بما أتوصل إليه، فلا أريدك أن تتعرضي للمخاطر في طريقك إلي..

زرت جولييت في طريق عودتي فوجدتها قلقة متوترة الأعصاب من تصرفات كلارا، فهي تستمع إلى الشريط المسجل وتبكي، وكثيرا ما فاجأها ريمون تفعل ذلك.. "تظن أنه لا يعرف العربية.. إنه يفهم كل ما يقال وإن كان لا يتكلم مع أحد إلا بالإنجليزية..

سألتها ان كان وجود أمها وأختها عندها يضايق ريمون فيحرجها، فقالت:

-         على العكس، لقد رحب بهما، وأمي تطبخ له الوجبات العربية التي يستسيغها وتلذ له، ولكنني أنا التي أحرج من تقوّل أصدقائنا، أنه يؤوي عائلة زوجته الشيوعيين أتصدقين؟ رحبت في قرارة نفسي بنقله الى ايران حتى آوي أهلي في بيتي، ولكن الأمر ألغي في اللحظة الأخيرة. الصحف تتحدث عن محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن من قبل جماعة منشقة فلسطينية، وهذا يعني استفزاز اسرائيل للقيام بعدوانها المبيت على لبنان.

لم أنم تلك الليلة فأنا أربط الأحداث بعضها بالبعض الآخر.. هناك طريق واحد لاجتياح القوات الاسرائيلية لبنان بدءاً من البوفور حيث ترابط قوات سعد حداد، فبعد معركة شقيف عرنون يسهل الطريق الى الزهراني وحتى بيروت، وستمر الدبابات من أرض جدي التي استولى عليها غانم ولربما كان يخفي الطفلين هناك..

وبدأت الصور التي تبادرت الى ذهني لمصيرهما توقف نبضات قلبي، وأحسست بدوران في رأسي وغثيان، فهرعت الى الحمام واستفرغت الحلوى التي قدمتها لي جولييت في منزلها؛ وصحت فريدة على معاناتي، كنت أشعر بحالة أشبه بنزاع الموت فضمتني بصمت وهي تبكي.

الوقت فجر والحرارة تنبئ بيوم قائظ، وضعت رأسي تحت صنبور الماء فشعرت ببعض الراحة. جففت شعري بمنشفة واستلقيت في فراشي، وما لبثت أن غفوت لأستيقظ والشمس تتسلل من نافذة غرفتي وتبث في الأمل من جديد.

ذكرت ما قاله غانم بخصوص ابن كريم، قال أن الطفل هو في حجر أمه التي هي زوجة الأمير.. لماذا قال هذا؟ إن داليا هي إبن أخي كريم، ولم تراجعنا طوال الأعوام الماضية بشأن رغبتها بحضانة إبنها، لقد تخلت عنه بمحض إرادتها ولا يدري أحد مكانها، لعلها علقت بحب جديد, وزوج جديد، ونحن لا ندري عن كريم شيئا ولا نعرف أراضيه، حتى أن والدي كان يقول لي " ليبعث لنا بتلفون أو حتى رسالة لا يقول لنا فيها إلا كلمة واحدة لأعرف أين هو وفي أي بلد يكون. بدا لي أن في كلام غانم سرا ما يتعلق بداليا نفسها، إن خطف إبن عبد الرحمن ربما كان التباسا من الخاطف بأنه ابن كريم، وبأن داليا هي وراء خطفه وهو في سن  يقارب فيها السن التي تفقد فيها حقوق حضانته..

أنا لم أسأل أبدا زوجي عمن تكون المرأة التي اتخذها زوجة له وأنجب منها ولدا.. مجرد حدس أنها تلك الشابة التي جاء بها غانم ذات يوم إلى منزلنا وقال بأنها طباخة ماهرة، وسمعت صوتها الأليف لي على التلفون في بيتي، ورأيت آثار أصابعها في براد مطبخي وأنا مضطرة لأغيب عن البيت بسبب صحة والدي..

مر أسبوع دون أن يعود زوجي أو يزورني الطبيب ليعلمني عن نتائج تقصيه أخبار غانم في القرية الحدودية، وكان علي أن أصبر حتى تنجلي لي الأمور من أحدهما أو كليهما.. وانقطعت عني أخبار عبد الرحمن، فالخطوط مقطوعة والإتصال صعب ولم تعد تصلني النشرة السرية التي تسلم لي.. الكل مشغول بالمعارك أو في الهجرة أو بأحوال المهجرين..

*  *  *