تحليل الإختطاف

 

غاب زوجي وأنا على أحر من الجمر، فرحت أشغل نفسي بملف "جهينة" لعلي أستنبط خيط البحث الدقيق لمعرفة ما يمكن أن يفعله غانم بابنتي وابن أخي, وما هي الفائدة التي يجنيها من اختطافهما وأحلل ما قاله للشرطة، كانت الفكرة التي ألحت علي بأن اختطاف إبن عبد الرحمن هو التباس بأنه إبن كريم ، وأنه الآن في حضن أمه، أي أنه في حضن داليا التي كانت تقيم علاقة مع غانم قبل تعرفها إلى أخي كريم .. ربما التجأت إليه لتسترد ابنها، ولكنها لم تفعل ذلك بعد مرور تلك السنوات؟ ربما لم تكن غادرت البلد مطلقا لتبحث عن كريم الذي أعطاها  والدي عنوانه وتزوجت رجلا آخر يرفض أن يربي ولدها.. بحثت في خزانة والدي عن الأوراق التي تتعلق بمولد إبن كريم الذي سجل في دائرة النفوس فورا بعد مولده بأنه ابن كريم عباد وأمه داليا, وتاريخ مولده أسبق  من تاريخ مولد إبن عبد الرحمن وثريا بشهر وكان والدي يحتفظ بنسخة من دائرة النفوس لكليهما.. أخرجت الأوراق لتكون قريبة مني وأزمعت أن أزور القرية الحدودية وأبحث عن غانم هناك ولا أنتظر الطبيب الذي وعدني بزيارة ليخبرني نتيجة بحثه خوفا علي من مخاطر الطريق، فإن صدقت نظريتي فإن داليا لم تغادر قريتها الحدودية وسأجد هناك الطفلين المخطوفين.. لقد كذب غانم على الشرطة بقوله أن جهاد هو في حضن أمه التي هي أخته وزوجة الأمير، فإذا ما علمت بهذا أسقط في يدي فلا أتابع الموضوع لأنني لا أعرف مقر زوجي ولا طريقة للوصول إليه.. أما ابنتي فإنها تكون رهينة لديه لابتزاز والدها وابتزازي بوقف نشاطي في ملاحقته، إذ أنه يعلم قرابتي من جهينة التي استغلها واستولى على أملاك أسرتها في الجنوب..

عولت أن أذهب مبكرة إلى القرية الحدودية في اليوم التالي وإذا بالطبيب الذي كنت أقصده يأتي إلي ومعه ابنته التي درست الطب في أميركا، وتخصصت في الطب النسائي، وهي تنوي الإلتحاق بأحد المشافي في بيروت..

كم فرحت بهما! دعوتهما إلى بيتي وأوصيت فريدة أن تجهز كل شيء بمعرفتها لأنني قادمة ومعي ضيفان عزيزان..

استمعت إلى القصة التي رواها لي وكلي آذان صاغية:

-  وصلت ابنتي بعد يومين من زيارتك لي فانشغلت بها.. كانت دهشة لما شاهدته من تقدم في القرية الحدودية فخلال غيابها تطورت إلى مدينة حديثة.. ماكان سهلا علي البحث عن غانم كما وعدتك، فليس من سبب يقحمني في عالمه إلا إذا دعيت لأطبب أحد افراد عائلته، ولكن الجيل الذي نما في القرية لا يذكرني وآباؤهم استغنوا عن خدماتي منذ أن بدأت معارضتي لهم.. وحدها الصدفة التي جعلتني ألتقي به، فمنذ بضعة أيام شاهدت نعوة ملصقة على باب عيادتي، قرأتها فإذا بها نعوة أم غانم..

ما كنت أعرف أن لغانم أبناء إخوة وأصهارا هم بمثل هذه الرتب العالية فهم بين عقيد ومهندس وطبيب وأمير.. كان أحد الأصهار هو الأمير هلال زوجك!

قرأت في النعوة مكان التعزية للنساء عند أهل زوجته وعرفت من مكان المنزل الذي هو قبالتي أنه بيت العائلة التي باعت ثلاثا من بناتها لتاجر الجواري الذي حدثتك عنه، أما الرجال ففي بيته.. قلت لنفسي بأن هذه أفضل مناسبة للقائه، وطلبت من ابنتي أن تذهب بدورها للتعزية لأنني أنوي أن أسلمها عيادتي فتعيش قربي في شيخوختي، وكونها طبيبة نسائية متخصصة في أميركا يجعل النساء يتهافتن على عيادتها..

لقيت غانم وعزيته بوفاة أمه، ولم يجر بيني وبينه أي حديث .. كان الناس يتهافتون على داره ممن أعرف ولا أعرف ولا مكان لي بينهم.. أما ابنتي فستحدثك بما شهدت:

-  دخلت إلى قاعة متسعة، نساء وفتيات كثيرات أنيقات في لباس الحداد عرفت منهن كثيرات ممن كن معي في الإعدادية قبل سفري.. سألنني عن تخصصي كطبيبة فأخبرتهن، لقد تزوجن وأنجبن .. سئلت إن كنت تزوجت فقلت "تخرجت منذعام وتدربت عاما آخر في المشافي." "ألم تجدي هناك طبيبا تتزوجينه؟" " كان من حولي معظمهم أجانب، أما العرب فيفضلون الزواج بأميركية ليحصلوا على الجنسية."

جاء دوري لأدخل وأعزي، رأيت داليا زوجة غانم...

-  داليا هي زوجة غانم!

-  نعم، كانت تتصدر غرفة التعزية وترتدي ثوبا أسود وتزين صدرها بأطواق من اللؤلؤ الأصيل. وقف جمع النسوة وعدن إلى الجلوس فقرأت الفاتحة ثم خرجت دون أن ينبس أحد بكلمة..وفي الصالة الخارجية سألتني رفيقاتي عن مكان عيادتي فقلت بأنني سأشغل موقتا عيادة والدي..

*   *   *