صراع على الحضانة

 

عاد زوجي مصطحبا نورا معه دون جهاد وقال لي بأن داليا تدعي أنه ابنها وأنه ليس ملزما للبقاء طويلا في بيروت للتحقق من هذا الأمر فلديه مشاغل في نيويورك عليه إنجازها.

-       أليس الفتى هو ابن أخيك كريم؟

-       لا..لا.. ان ابن كريم تخلت عنه أمه وتركته لنا فاصطحبه أخي عبد الرحمن معه الى صيدا ورعته زوجته ثريا مع ابنها فكأنهما توأم، ولا أحد في العائلة يعرف هذا الأمر.

حدثته بما أصاب ثريا وابن كريم في القصف الأخير لمخيم الفلسطينيين:

-       ثريا قتلت في غارة على عين الحلوة وهي تدرس الحساب لابن كريم .. كانا وحدهما في المنزل حين قصفته مروحية اسرائيلية فقتلت هي ونجا ابن كريم من الموت بعد أن أصابته شظية أودت بساقه..الصبي الآن في مشفى في باريس يجري عملية استئصال ساقه وتركب له ساق اصطناعية وأن المنظمة هي التي نقلته على حسابها اكراماً لعبد الرحمن.. أما من خطف فهو ابن أخي عبد الرحمن الذي كنت تعاديه وتكرهه من أجل غانم، وها أنت ترى غانم على حقيقته وقد مست مصلحتك معه.

 قال بأنه يريد أن يصطحب معه نورا ليجنبها الأخطار التي ستتعرض لها بيروت في الأيام المقبلة ما دمت أتشبث برأيي وأرفض السفر معه.. جن جنوني وقلت:

-  أعلم أن البنت أصبحت من حقك شرعا فلا تهددني برفع دعوى ضدي.. أنا لا أريد أن يكون هناك صراع بيني وبينك عليها.. أنا بعد ما عانيته من خلال شهرين من عذاب فقدها لا أريد إلاّ أن ألجأ إلى ضميرك وأبوتك، تخيل فقط حالها وهي في حوزتك، أتريد أن تربيها لي أخت غانم، إبنة البيئة العفنة التي أنجبت القتلة واللصوص وتجار المخدّرات؟

-  لا، سأضعها في أفضل مدرسة داخلية وأعلمها في أفضل الجامعات.

-  ثم تزوجها في عائلتك، بعد أن تكون قد استنارت وتفتح ذهنها. تزوجها للجهل والإنغلاق والعبودية. ثم تسلمها للذبح لو تململت في أسرها.. أنا لا اريد منك، لا لي ولا لها، إرثا ولا مالا، وسآتيك بالشيك الذي تركته لي عند ريمون ليعطيني إياه، ولم أصرفه والأوراق التي تثبت ملكيتي للبيت الذي تركته لي والسيارة كحق من حقوقي. أنا لا أقبض ثمنا لحياتي معك، وإلاّ اعتبرت نفسي جارية من جواريك وسقطت في عيني نفسي. لا أريد منك إلا حريتي وحرية ابنتي، سأعلمها هنا في لبنان أفضل مما تستطيع أية جامعة في العالم أن تعلمها إياه.. أعلمها حب لبنان وشعب لبنان  والروح الحرة المقدامة التي ترفض الظلم والعبودية لأي كان.. دائما كان بيتنا جامعة قبل أن ندخل الجامعات.. هذه هي الثروة الوحيدة التي أريد لها أن ترثها. أما ثروتك فثق أنها لن تكون ملكك.. إنها في يدك الآن، ولكنها ليست ملكك، وسيأتي اليوم الذي ستنتزع منك شئت أم أبيت..

-         لا تكوني متشائمة، انني أرسلها الى السعودية بعد دراستها الجامعية فتعيش في جو أسرتي، وتختار للزواج أحد أبناء عمومتها المثقفين، فنحن لا نسمح أبداً لبناتنا بالزواج من غير عائلتنا، ومن يدري أن من تختاره من جيل الأحفاد لا يكون له شأن كبير ويؤول اليه الحكم، وتصبح السيدة الأولى هناك!

-         كيف يخطر ببالك هذه الأوهام؟ لقد جربت أنا الزواج بأمير مثقف، ظننت أنني بحبي وثروته أحقق حلم آل عباد في التحرير والوحدة والتقدم للبنان فما قبضت الا السراب فهل تريدني أن أعيد تجربتي بابنتي؟ لا، لن أسمح بهذا ما حييت! هذا عصر الاختيار للفتاة لا القهر وحين يأتي الأوان تختار من يناسبها وليس من يفرض عليها.

-         حين وجدتها في بيت داليا كانت لهفتها علي أقل من لهفتها على ابن عبد الرحمن الذي استبقته داليا حتى تنكشف لها الحقيقة بأنه ليس ابنها. لقد أخذت بالبكاء لا تريد المغادرة معي دونه وهي حتى الآن تشيح بوجهها عني ولا تكلمني.

-         هذا شيء طبيعي، انه يتربى معها كأخ.. والده لا يزال على قيد الحياة، وإن كنت حتى الآن لا أعرف مصيره.. هل قتل في المعارك، أم أسر أو غادرمع الفلسطينيين الى تونس؟ ولكنني لا أفقد الأمل أنه حين تستقر به الأحوال سيطرق بابي ذات يوم ويسترد مني ابنه.

-         قد تولع به!

كان في خشية من ابن السابعة الذي يتربى معها كأخ أن تقوم بينهما علاقة تؤدي الى الزواج!

-         وما اعتراضك على هذا!

-         انني أحرمها من ميراثي لو فعلت ذلك.

-         دعنا من هذا الحديث عن الميراث كأنما ثروتك وثروة اسرتك أبدية في هذا العالم الذي يتناهش فيه القوي الضعيف. إن أفضل ما تفعله بثروتك هو أن تعيد حقوق الناس الى أصحابها، الذين أودعوا في مصرفك مالهم فتعيد لهم الثقة بك بدل أن تعطيهم أوراقاً فقدت قيمتها عشرة أضعاف منذ عام حتى الآن. هذا ما فعلته باقتصاد لبنان.. أتظن أخي هشام فضّل أن يكون استاذاً في الكويت على أن يستلم ادارة مصرفك في نيويورك الا أنه فهم اللعبة التي قادت الى دمار اقتصاد لبنان؟

ذهبت الى درج مكتبي وأخرجت الشيك الذي لم أصرفه ومزقته أمام عينيه.. غيرت رأيي فجأة بعد كلامه وقلت:

- أما البيت فهو من حق ابنتي سأتركه لها حتى تكبر فتأوي اليه حين تختار زوجها وتكوّن أسرتها، فأنا لن أنتفع بسكن بيتين في آن واحد؛ والسيارة لأنها أداة نقلها الى مدرستها، أما أنا فمكتبي قريب من منزلي ولا حاجة بي الى أي سيارة!

كان واجماً يصغي الي كالمذهول.. أخرجت من الدرج الأوراق التي تتعلق بميلاد ابن كريم وابن عبد الرحمن وقلت له: هذه تواريخ ميلاد الصبيين ولك أن تتحقق من هذا في دائرة النفوس. واحد ابن داليا والآخر ابن ثريا تلك المرأة الرائعة التي رعته تسعةأعوام مع طفلها بستة أشهر بعد أن تخلت عنه أمه داليا زوجة غانم ولم تطالب به خلال التسعة أعوام الماضية.. الصبيان ليسا توأماً لعبد الرحمن كما قلنا أمام الأهل والوحيد الذي يعرف بالقصة من أهلي هو أخي عبد الرحمن بالطبع ولكنني لا أعرف أين هو بعد مأساته في زوجته.. ان ابن كريم قد نقل الى باريس للعلاج على حساب المنظمة اكراماً لعبد الرحمن الذي يشارك في معارك الجنوب ، وهو حتى الآن في المشفى وقد ذهبت الى المخيم لأعلم أخباره فقيل لي أنهم أجروا له عملية البتر وسيبقى في المشفى حتى يصنعوا له ساقاً اصطناعية.. كان ذلك في اليوم الذي أخذت مني فيه هويتي حين دخولي المخيم واستخدمت لخطف الصغيرين ابنتي وابن أخي عبد الرحمن جهاد.

دخلت فريدة وهي تقول لي: ماذا أفعل؟ ان نورا لا تكف عن البكاء، تريد أن ترجع مع أبيها وتعود بجهاد.

ولم تلبث أن دخلت نورا وهي مضرجة العينين وصاحت بوالدها:

-         لم أعد أحبك يا بابا، أنا زعلانة منك..

-         ليش بابا؟

-         ليش ما بتحب جهاد ابن خالي؟ أنا بلعب معاه وبروح المدرسة وياه.. ليش تركته لحاله هناك، وجبتني لماما هون!

-         ما فرحت بماما؟

-         بلى..

قال متجاهلاً: - يمكن هو فرحان بمامته.

-         بس هدي كذابة.. جهاد مافرح لما قالت له هي مامته.. مامة جهاد تانت ثريا وهو بيحبها كتير!

-         شو اسم ابن خالك التاني؟

-         وسيم!

-         مين مامته؟

-         تانت ثريا

-         بتحبيه أكتر من جهاد؟

-         لأ، بحب جهاد أكتر، وسيم بيتغالظ علي.

-         بتحبي جهاد أكتر مني؟؟

صمتت نورا ثم قالت: بابا انت بتسافر كتير وبتتركني.

-         بس برجع لعندك

-         بحبك أكتر لما ترجع وتجبلي ألعاب، وبحبه أكتر لما يلعب معي!

-         منشان هيك بدك أحضره لتلعبي معه؟

-         بابا كمان هو شاطر بالحساب يجمع ويطرح أحسن مني، أنا وهو منقعد سوا، واذا ما عرفت الجواب بنقل منه. وبيعرف أشعار حلوة أنا ما بعرفها؛ والآنسة بتقول له برافو عليك يا جهاد، أحسنت يا بطل.

قلت لنورا أن والدها سيذهب لإحضار جهاد وسيعود في الغد انشاء الله، وأن عليها أن تذهب مع فريدة وتنام اذ حان وقت نومها.

قبلتني الصغيرة فرحة وقبلت والدها وانصرفت وهي تزقزق

-         تصبحي على خير ماما، تصبح على خير بابا.. باي باي.

قلت لوالدها وأنا أكمل حديثي: في القرية الحدودية الطبيب الذي ولدت داليا على يديه ابنها وسيم.. انه يعرفك فقد التقى بك يوم جاء لتعزيتنا بوفاة والدي، فقم بزيارته فهو من قام بتسجيل وسيم في دائرة النفوس بأنه ابن كريم عباد وداليا. وإن أحببت فهو يقص عليك سيرة عائلة غانم وعائلة داليا، فهو أقدم من سكن تلك القرية.

*   *   *