المصرف مغلق

 

نزلت لأشتري دواء للرشح الذي أصابني فجأة مع تبدل الطقس، فاستقبلني الصيدلي بترحاب كبير، وحدثني بما جرى بينه وبين زوجي ..

-  أصدقك الحديث أنني كنت غاضبا أشدّ الغضب .. لقد أودعت كل ما أملك من دولارات في مصرفه ، وفجأة أجد الناس محتشدين أمام باب المصرف ، والشرطة تفرقهم.. خرج هذا المدعو غانم وقال "صاحب المصرف سمو الأمير مسافر إلى نيويورك ، عودوا بعد أسبوع! أعود بعد أسبوع لأرى المصرف مغلقا.. ماذا يحدث لأموالنا التي نودعها في هذا المصرف؟

جننت !.. تبادر لخاطري أنه نقل أموال مصرفه من ذهب وعملة صعبة إلى نيويورك، كما فعل غيره من أصحاب المصارف في لبنان.. وأنه ينتتظر الوقت المناسب ليعلن إفلاسه .. لو فعل ذلك لا سمح الله لقتلته بنفسي .. المال قبل الروح ، ما جنيته في عمري يستولي عليه لصوص المصارف؟ لو سرق الفلسطينيون مالي من بيتي، أو دخلت الدبابات الإسرائيلية المدينة وجردتني منه لما غضبت مثلما غضبت .. خشيت على نفسي أن أصاب بجلطة دماغية في رأسي فأموت أو ينتابني الفالج.. أنظري ياست نبيلة إلى صيدليتي .. ما عاد هناك من يقصدها.. هل تعافى الناس أم نفذت في أيديهم الدولارات فما عادوا يقصدونني ؟ لا هذا ولا ذاك ، ولكن كلما جاء زبون يريد دواء من مصدر أجنبي أقول له ، نفذ من عندي، حتى خسرت كل زبائني.. وحينها إذ شاهدت سيارة زوجك عرفت أنه عاد، وبقيت أنتظره ساعتين أراقب من باب الصيدلية المفتوح.. أطفأت التلفزيون الصغير حتى لا يشغلني عن مراقبته ، وما أن رأيته يمر حتى اندفعت نحوه أدعوه لمحادثته، فدخل وأخبرته بكل ما فعل غانم الخسيس ، وكيف أتى بالشرطة الذين دافعوا المراجعين بالهراوات، بعد انقضاء أسبوع على حراسة باب المصرف المغلق منعا من اقتحامه..

قال الأمير بعد أن أصغى إلى شكاتي:

-  لا حول ولا قوة إلا بالله.. لقد وصلتني برقية من المدير الإداري للمصرف يخبرني عن تصرفات المدير الأمني فجئت على عجل.. إنني أنوي افتتاح المصرف عن قريب ، فليس هناك أخطار على أموال المودعين بعد أن خرج الفلسطينيون من بيروت. سألني كم أودع في المصرفقلت له حوالي 600 ألف دولار يا سيدي..

ابتسم وقال:

-   أتريد استردادها كلها؟

-  نعم.

-  هل تريد أن تودعها في مصرف ثان؟

-  نعم.

-  مر بي في الغد فأعطيك مالك، ولكن إياك أن ترجعه ثانية إلى مصرفي بعد افتتاحه، ولا تنتظر أن أقرضك يوما أي مال لإنشاء مصنع الحليب المجفف.. إن علاقاتنا مع زبائننا هي الثقة المتبادلة، وما تودعه عندنا غيض من فيض مما يقرضه المصرف لإعمار الجنوب.

تراجعت على الفور:

-  لا أريد استرداد مالي كله، فقط أعطني عشرة آلاف دولار لأدير به رأسمالي وأشتري الأدوية اللازمة من الخارج.

*   *   *