المرأة في مجتمعات التوحيد

 

 

كانت حضارات الرق تزدري المرأة على العموم، ولقد بقيت الاستطالات المشاعية تمارس في تلك المجتمعات حتى آخر دولة عبودية، ولكن انتصر خلال طور الرق ذلك الشكل الأسري الذي لاءم توق الانسان الى الخلود في ذريته.. وجاءت الأديان لترفع من قدر المرأة حين أسلمتها الى ضمير الرجل بعد أن حررته من أشكال العبودية المختلفة ، وبنت أخلاقيته على كره الظلم والظالمين.

لم يكن تحرير المرأة غاية في حد ذاتها في عصور الإيمان، وانما حكم وضعها بالأهداف البعيدة للأديان الموحدة وهي تحرير الانسان من الظلم الإجتماعي بسبب سيطرة النظام العبودي الذي يفرق الناس الى سادة وعبيد. ان كثيرا من ممارسات العهود الوثنية تجاه المرأة انتفى في المجتمعات الدينية بزوال الطبقتين الإجتماعيتين اللتين تؤلفان العمود الفقري للنظام العبودي: طبقة الكهان وطبقة العبيد، وزالت معهما مشاعية المرأة كعرف سائد متخلف تمارسه هاتان الطبقتان وتتساهلان به. لقد تبنت الأديان النظام الأسري المسؤول المعروف في الطبقة الوسطى منذ أمد بعيد في حضارات الشرق الأدنى والذي يتناسب مع الملكية الخاصة مع قطيعة بينه وبين تساهل المجتمعات الوثنية في حرية الممارسات الجنسية قبل الزواج ، والذي كانت تستفيد منه طبقة الكهنة بشكل خاص وملاك العبيد.. ولكن هذا لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل كان على مجتمعات الأديان أن تصارع الوثنية طويلا حتى استقر لها الأمر، عبر سلسلة من الثورات الإجتماعية . وكان لها انتكاسات وعودة الى الوثنية، وفي كل هذا كان وضع المرأة يتأثر حسب انتصار تلك المجتمعات في معركتها ضد العبودية.

ان التضييق على المرأة خوف الزنا جاء من رغبة الرجل في الإطمئنان على أن ذريته هي من صلبه، وأنه لا يكدح ويشقى ليورث أبناء الآخرين، ولكن هذا التضييق الذي عززه الرجل بمختلف التشريعات والعقوبات التي نعرف منها تشريع حمورابي وتنظيمه للأسرة قبل مجتمعات الأديان بألفي عام، أدى مع الزمن الى عزل المرأة اجتماعيا، وتضييق مجالات عملها وحرمانها من الإنتاج والإستقلال الإقتصادي وكرس تبعيتها للرجل أكان أباً أو أخاً أو زوجاً.

قلنا أن مجتمعات الأديان أسلمت المرأة الى ضمير الرجل، وكان وضعها يتفاوت حسب نقاء هذا الضمير أو فساده، وحسب الطور الإقتصادي الذي يسود في مجتمع ديني ، وفيما اذا كان ذلك المجتمع سيدا أو تابعا، والتطور التاريخي للإنسانية عامة. ان الطور الإقتصادي الذي كان يسود زمن اليهودية هو الطور العبودي. أما المسيحية في الشرق فلقد انتشرت حثيثا في القرون الأربعة الأولى تحت سيطرة الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية التي كانت تتساهل معها حينا وتبطش بها أخرى حتى سقوط روما الوثنية ؛ ورافق انتشارها في أوربا مرحلة الإقطاع. أما زمن الإسلام فقد كانت المجتمعات الدينية سيدة نفسها، وترتقي اقتصاديا بسبب وحدة راية المسلمين الى طور الحرفة المستقلة (التي تعتمد على إنتاج الموالي المحررين والأحرار) والتجارة الحرة. لقد حدثت تطورات في أوضاع المرأة ضمن هذه المجتمعات الدينية ، وألغيت تشاريع كانت في الأصل موجودة .. فاليهودية الخارجة من مجتمعات وثنية تبيح مشاعية المرأة كانت تسمح بتعدد الزوجات للرجل دون حصر اذا كان قادرا على إعالتهن على شرط أن لاينقص من نفقتهن شيئا ويبقى على التزامه الشرعي بهن وبمن ينجبن منه من أولاد؛ ولكن في القرن الحادي عشر ألغي هذا التشريع بالنسبة لليهود الغربيين (الأشكنازيم) الذين تهودوا بعد مرور أكثر من ألفي عام من التشريع الموسوي لأنهم كانوا يمرون بمرحلة الإقطاع التي كانت تسود أوربا حينذاك. وفي العصور الحديثة أصبحوا يتجنبون التشريع القاضي أن يتزوج الرجل أرملة أخيه المتوفي الذي لاولد له يترك ذكره، وهو في الأصل تشريع يبدي الرغبة في الحرص على إبقاء ثروة المتوفي في العائلة دون حرمان المرأة من حقوقها الطبيعية التي حصلت عليها بالزواج بشكل من أشكال الترضية. والتشريع الموسوي يمنع الكثير من زواج الأقارب ولكنه يسمح به بين الأعمام وبنات إخوتهم، والأخوال وبنات أخواتهم، مما حرمه التشريع الإسلامي لاحقا.

والمرأة في الأديان الثلاثة لا تتزوج من غير ملتها وكذلك الرجل، ولكن التشريع الإسلامي سمح للرجل بتزوج الكتابية دون الوثنية التي تعتبر من الإماء وليس لها حقوق الزوجة.

والعقد بين الرجل والمرأة للنكاح وإنجاب الأولاد يترتب عليه التزام أسري بالطهارة من كلا الطرفين المتعاقدين، والتزام مالي يتفق عليه كالمهر مقابل "الحقوق الزوجية" للرجل. ويوقع عليه شاهدان. والمجتمعات الدينية كلها لا تتساهل مطلقا في العلاقة الجنسية المباشرة دون عقد نكاح خوفا من اختلاط الأنساب.

أشكال الزواج في المجتمعات البدائية

الأشكال الرئيسية للزواج في المجتمعات البدائية تصنف الى أحادية الزواج، وتعددالزوجات، وتعدد الأزواج.

تعدد الأزواج

يطلق هذا الإسم على ارتباط شرعي يجعل عدة رجال يتزوجون امرأة واحدة. وهذا التعدد هو أندر تنوعات الزواج بالرغم من أهميته النظرية الكبيرة في فهم تطور الأسرة من خط أمومي الى خط أبوي. ولا يزال هذا الشكل من الزواج موجودا حتى يومنا هذا في مناطق منعزلة متوزعة على مرتفعات الهند الجنوبية وأواسط آسيا وبعض الأسكيمو وبين بعض القبائل في الحوض العظيم ومجاهل أفريقيا وفي التبت والمناطق المجاورة لها. وأشكال مثل هذا الزواج تختلف فهناك تعدد من النوع الأخوي حيث يشارك عدة إخوة في زوجة واحدة. وجميع الأزواج يعيشون في نفس السكن، وتحدث معاشرة الزوجة لهم بالتتالي. والأطفال الذين يولدون من هذه المعاشرة يعتبرون الأبناء الشرعيين للأخ الأكبر فقط . وفي أحيان أخرى ينسب المولود الى الأخ الذي تؤكد الأم أبوته البيولوجية فيعلن أبوته ويهبه النسب الشرعي. وهناك شكل معروف في جماعة هندية اذ تعاشر الفتاة رجلا حسب طقوس الزواج، وثم تعابث عددا من الرجال ليس بينهم قرابة. وهي تعيش منفردة عن أزواجها الذين يعاشرونها بالتتالي باتفاق فيما بينهم. وهذه الجماعة تعيش حسب الخط الأمومي ويرث أبناؤها من أخوالهم، ولكن الأهمية الإجتماعية للأبوة تجعل المرأة تنسب واحدا أو أكثر من أبنائها الى أب وهو مجبر أن يعيله ويعلمه. وهكذا فان تعدد الأزواج هو زواج مركب تحدث فيه المعاشرة بين الرجل والمرأة على التوالي وليس بشكل متزامن مشترك، بينما الأطفال والممتلكات لايكونون قسمة بين الأزواج.

تعدد الزوجات

ان هذا الشكل من الزواج تتحد فيه عدة زوجات في المشاركة بزوج واحد، ويكون لكل زوجة وضع شرعي ويعتبر أبناؤها ذرية شرعية له. ان تعدد الزوجات وجد في كل أنحاءالعالم ومارسته تقريبا كل القبائل البدائية، ما عدا قلة لم يكن يسمح لرجالها بإقامة أكثر من علاقة جنسية واحدة. ومن الصعب الإستنتاج فيما إذا كانت الشعوب التي تدعي الوحدانية هي كذلك أو أنها ممارسة سائدة فيها تضمن بالعقوبات. ويجب أن نذكر أن تعدد الزوجات لا يمارس من قبل أفراد كل المجتمع، فمن الصعب تصور مجتمع لكل فرد فيه عدد من الزوجات لأن هذا يتطلب فائضا كبيرا في عدد الإناث بالنسبة للذكور.وهذا لايحدث في الطبيعة الا على أثر الحروب. وفي الواقع إن تعدد الزوجات ليس شكلا من الزواج متميزا عن وحدانية الزواج، بل هو علاقة أحادية متكررة بحيث يشكل الرجل مع كل زوجة من زوجاته علاقة منفردة. وكقاعدة فان كل علاقة تتأثر الى حد ما شرعيا واقتصاديا بالعلاقات الأخرى.

وحيث يكون لكل زوجة بيتها المنفصل فان تعدد الزوجات يشبه زواجا أحاديا متقطعا لزمن محدود. وفي مثل هذه الحالات يشكل سلسلة زيجات فردية حيث تكون الترتيبات العائلية والإقتصادية والأبوية والعناصر الشرعية والدينية لاتطغى أحدها على الأخرى بشكل خطير.ان تعدد الزوجات مع استقلال كل أسرة بشؤونها هو شكل شائع في المجتمعات المسلمة وخصوصا في حالة الزعماء حيث تشغل كل زوجة مع أطفالها جناحا أو بيتا منفصلا وتدير شؤونها باستقلال حسب الحقوق الشرعية والإقتصادية المعرفة جيدا. أما عند عامة الناس فان وضع زوجتين أو أكثر يشغلن السكن ذاته يؤثر على الحياة الزوجية بشكل عميق. وبما أن الدين الإسلامي لم يحرمه فانه بقي حتى يومنا هذا على نطاق ضيق، حتى أنه لا يعد مشكلة المرأة المسلمة في الوقت الحاضر.فالهم الشاغل للرجل المسلم اليوم في الأوضاع الإقتصادية الراهنة هو كيف يقوم بأود نواة أسرية واحدة ويفي حاجاتها ويكون عادلا في معاملة زوجة واحدة.

الزواج الأحادي

ان الأصل في تشكل الأسرة ضمن المجتمعات هو أحادية الزواج، أي أن لكل رجل امرأة ، اذ أن الطبيعة البيولوجية ، كما أكد العلماء، تجعل نسبة الرجال الى النساء متساوية، ففي مجتمع يجعل تعدد الزوجات قاعدة له، يبيح للذكر الأقوى الحصول على العديد من الزوجات بينما يطرد الذكر الأضعف من عملية التناسل والذرية، مما يضعف ذلك المجتمع ويثير فيه النزاع والصراع الذي لانهاية له بين الأقوى والأضعف. ففي ملحمة الخلق البابلية ، نجد النزاع قائما بين الآباء والأبناء، وبين الإخوة الأشقاء فيما بينهم، وبين الخط الأمومي الغامض النسب والخط الأبوي الواضح النسب، فكانت المجتمعات البدائية عبر تطور طويل الأمد تراكم تجاربها لتصل في النتيجة الى الشكل الأمثل في الزواج وهو أحادية الزوجة ، وتضع التشريعات لتلجم الذكر الأقوى من الإفتئات على حقوق سواه ضمن القبيلة فتمنع الزواج بين جيل الآباء وجيل الأبناء وبين الإخوة من أم واحدة وتعيد القبيلة الى توازنها النفسي وتلاحمها حين تواجهها المخاطر والصعاب. وبما أن الرجل كان يتعرض للخطر والموت أكثر من المرأة التي تقبع في الخلفيات لترعى شؤون صغارها، كان ينتصر شكل تعدد الزوجات لتجدد القبيلة ذاتها، وتعود الى توازنها البيولوجي. وحين تحدث مجاعات تضطر الجماعة الى وأد الأطفال، كان الهلاك يصيب الإناث دون الذكور لأنه ليس لهن دور في حماية القبيلة. فاذا استمرت هذه الممارسة حتى بلوغ مثل هذا الجيل سن الرشد والانجاب دون أن يتعرض لغزو خارجي كان عدد الإناث يقل عن عدد الذكور مما يتيح لهن زواجا نموذجيا؛ واذا بولغ فيه كان يؤدي الى شكل تعدد الأزواج الذي وجد تاريخيا على نطاق ضيق .. ولقد رفضت غالبية المجتمعات هذا الشكل لأن المرأة لا تكون أكثر إخصابا في تعدد أزواجها ، ولا تؤدي هذه الممارسة بالتالي الى زيادة قوة الجماعة ، بينما بقي تعدد الزوجات يمارس، لأن ذكرا واحدا يمكنه أن يخصب عدة نساء. ان مجتمعا يقوم على تعدد الزوجات في حالة عدم وجود ضرورة لذلك هو مجتمع في صالح الذكر الأقوى ، بينما مجتمع يعدد الزوجات لضرورة تنشأ بعد الحروب أو الأوبئة والمجاعات ولفترة زمنية محددة، هو مجتمع في صالح المرأة اذ أنه لا يترك امرأة واحدة دون زواج.

ان الزواج الأحادي ليس هو الشكل الأكثر شيوعا في الزواج وحسب بل هو النموذج الأصلي في الزواج، بينما تعدد الزوجات وتعدد الأزواج هما زواجان مركبان يتشكلان من عدة اتحادات تنضم معا في النظام الأسري الأكثر اتساعا، وكل اتحاد هو نموذج عن الزواج الأحادي. وبصورة عامة نجد أن الزواج المتعدد هو زواج أحادي متتال. وليس حياة عائلية مشتركة؛ فالأطفال والممتلكات تقتسم، والعقود تنشأ بين طرفين متشاركين حينا من الزمن.

ان الزواج الأحادي بشكل حصري، بمعنى أن الزواج باثنتين يعتبر جريمة نكراء وخطيئة وانتهاكا للمقدسات هو شكل نادر بين الجماعات البدائية.فمثل هذه الرؤية المثالية الحصرية والنظرة الشرعية للزواج لم توجد الا حديثا مع تتطور الثقافة الغربية، والبعض يجادل بأنها لم تكن يوما ضمن المذهب المسيحي. والزواج الأحادي كنموذج للزواج الإنساني هو شكل عرف في كل العالم، وبصورة خاصة في مجتمعات الشرق الأدنى. فهذه المؤسسة في ظواهرها الجنسية والأبوية والإقتصادية والشرعية والدينية هي مؤسسة على واقع أن وظائف الزواج من اتحاد جنسي وإنجاب للأطفال والعناية بهم والتعاون الأسري يتطلب بالضرورة شخصين لاغير. وهو الشكل الوحيد الذي كان وسيبقى النموذج الحقيقي للزواج.

لقد زال تقريبا من التاريخ نموذج تعدد الأزواج لأن المرأة لاتكون أكثر إخصابا في تعدد أزواجها، وبقي نموذج تعدد الزوجات لضرورة تحدث في المجتمعات عند حدوث نقص كبير في عدد الرجال بالنسبة للنساء في فترة زمنية محددة اذ تجدد القبيلة نفسها وتكثر ذريتها وقوتها، فاذا زالت تلك الضرورة عاد المجتمع الى توازنه تلقائيا وفضل الزواج الأحادي لأنه الشكل الذي يلائم طبيعة الزواج التي تحدث بين عضويتين فقط ، والأطفال ينجبون من أبوين فقط ويعتبرون اجتماعيا ذرية زوجين. ولأن الإقتصاد الأسري بروح العدالة لا يمكن تسييره بنويات متعددة.

ان الإسلام الذي أباح هذه الضرورة ، وحددها بدل أن يحرمها، نشأ من مجتمع جاهلي عبودي ذي أخلاق عنيفة لا كابح لشهواتها كانت العلاقات الجنسية فيه رخوة والرجال سعيدون أن يبقوا على حالهم دون كوابح ولا التزامات.

أشكال الزواج زمن الجاهلية

يعدد البخاري أربعة أنواع من الزيجات في الجاهلية :

1- أول هذه الزيجات الزواج الذي كان يعقد كالزواج الحالي وتبناه الإسلام فيما بعد. كان الرجل الذي يزمع الزواج من إمرأة يتوجه بطلبه الى وصيها أو والدها، ويعين لها مهرا ثم يعقد قرانه عليها.

2- نوع من الزواج يكون الرجل فيه مسؤولا عن زوجته ولكن يسمح لها بمعاشرة رجل آخر ، وكان يجري كما يلي: يقول الرجل لامرأته "عندما تتطهرين من طمثك، أرسلي لمن تريدين أن تطلبي اليه أن يعاشرك". وكان الرجل عندئذ ينعزل عن امرأته ولا يمسها طالما لم تظهر عليها علامات الحمل المتأتية من المعاشرة مع هذا الرجل.

3- وثالث أنواع الزواج كان يطبق هكذا: جماعة من الأفراد، عشرة على الأكثر يكون لكل منهم علاقات مع ذات المرأة . وعندما تصبح هذه المرأة حاملا، وتكون قد وضعت وأمضت عدة أيام بعد نفاسها، كانت تطلب هؤلاء الأفراد ولا يستطيع أحد منهم الإمتناع عن المجيء، ثم عندما يجتمعون كلهم لديها تبادرهم بالخطاب الآتي : "تعرفون ما حصل في علاقتكم معي، لقد أتاني ولد. هذا الولد هو ابنك (مشيرة لأحدهم ) أعطه الإسم الذي تريد.

4- والنوع الرابع من الزواج كان يطبق هكذا: عدد كبير من الأفراد لهم علاقات مع امرأة واحدة لم تكن ترفض أي واحد ممن يحضر. وكانت هذه البغايا يفرش أمام بابهن علم يستخدم كعلامة لهن . فأي كان يرغب في ذلك ما عليه الا أن يدخل وعندما تصبح إحدى هؤلاء النسوة حاملا وتضع حملها يتجمع لديها كل زبائنها ويستقرئون الملامح التي كانت تلحق الولد  بمن يحكمون أنه والده.

الزواج في الإسلام

ان الإسلام في مستهله في تلك المرحلة الثورية التي يسقط فيها الكثير من المسلمين في الجهاد ضد المشركين لتثبيت القيم الجديدة وتحرير الإنسان، يميل في جوهره الى أحادية الزواج. إن الإسلام اشترط العدالة مع تحديد العدد الى أربعة يمكن للرجل أن يجمع بينهن "وان خفتم ألا تعدلوا فواحدة". "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل وتذروها كالمعلقة" (النساء 129).

ولم يطالب الإسلام الرجل بالعدالة بين النساء جنسياً لأن هذا مطلب يعجز عنه الرجل نفسياً وهناك آيات تعفيه من مثل هذا الإلتزام "ترجي من تشاء منهن وتؤوي اليك من تشاء ومن أعفيت ممن عزلت فلا جناح عليك. ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما" (الأحزاب 51).

وسمح للزوجات بالتخيير في أن يبقين أو يسرحن ان أحسسن بعدم الرضى الجنسي "يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا" (الأحزاب 28). "وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما" (الأحزاب 29).

اذن فماذا تعني العدالة بين النساء في نظام تعدد الزوجات ؟ لقد حارب الإسلام دائما شهوات الناس الى المال والجنس، وكانت التشريعات تقوم على انفصال الملكية بين الزوجين على عكس المشاركة التامة في مال الزوجة كما حدث في النظام الإقطاعي الأوربي لأن علاقتها الزواجية أحادية وعلاقته متعددة. فقام التشريع الإسلامي على التزام الرجل بحماية نويات أسرية متعددة سقط عائلها في القتال دون أن تجعل له سلطانا على ثروة زوجته التي حصلت عليها من زواج سابق، ولا على حقوق أبنائها اليتامى. وسورة النساء حافلة بالآيات التي تحض على العدل ، والعدل هنا يعني بالدرجة الأولى احتفاظ المرأة بملكيتها الخاصة التي حصلت عليها قبل الزواج للإنتفاع بها هي وأطفالها ، فلا تهدر في بيت تتعدد فيه النوى الزواجية.

وبالنسبة للرسول كقائد حربي يوحد الجزيرة العربية تحت راية الإسلام ويقيم تحالفات مع القبائل التي اعتنقت الإسلام بمصاهرتها، كان وضعه استثنائيا ليعدد أكثر من أربع زوجات. وهذا الزواج السياسي لم يكن بدافع الشهوة بقدر ما كان يهدف الى توحيد الجزيرة بقرابات زواجية تجعل القبائل على قدم المساواة فيما بينها بقرابتها للرسول.

كان الإسلام واقعيا في معالجته لشؤون الأسرة. ولم يكن حديا في تحريم تعدد الزوجات كما فعل المجتمع المسيحي (الذي يجادل فيما اذا كان من صلب الدين أو أنه من اجتهادات القديس أوغستين في القرن الرابع ميلادي الذي كان يريد أن يجعل المسيحية تقبل في مجتمعات اعتادت على أحادية الزوجة، مع الإحتفاظ بالإماء للمتعة دون حقوق لهن أو لذريتهن بالطبع). ان الشواهد المعاصرةعلى ما أحدثته الحرب العالمية الثانية، حيث سقط ملايين الرجال صرعى،من تفكيك وانحلال في الأسرة أساءت كثيرا الى المجتمعات التي تتبنى أحادية الزواج اذ أبقت أعدادا هائلة من النساء دون أزواج.. ولم يستطع العمل أن يعوضهن عن هذا الجرح البيولوجي الذي يعانينه حتى يومنا هذا. ان حياة المرأة دون حماية رجل ، ودون تلك العاطفة الرقيقة المتبادلة بينها وبين الرجل في الأسرة ودون أمومة وإنجاب هي حياة عجفاء غير إنسانية . وما كان هناك من حل سوى التعدد ليعيد لتلك المجتمعات توازنها النفسي ويحافظ على الأسرة التي تفككت خلقيا نتيجة لتلك الظروف. فالرجل أصبح أنانيا يتزوج زواجا أحاديا دافعه المصلحة على الغالب ( اذ أن المرأة هي التي تعطي الرجل بائنة هي كل ثروتها مع اشتراط أحادية الزواج وعدم الطلاق اللذين كفلتهما لها الكنيسة) ويعاشر نساء كثيرات دون التزام. وأصبحت تلك المجتمعات تتسامح أيضا بزنا المرأة ان لم تنجب ، ثم أخذت تتسامح بالأبناء غير الشرعيين الذين تنجبهم ؛ ووقع عليها عبء الإنتاج لتربية نشء هو دون الأبناء الشرعيين في المكانة الإجتماعية ودون حقوق. وعرض المرأة التي تمارس الجنس خارج النطاق الزوجي للمهانة والإذلال وحرمها كرامة الأمومة ، وعرضها لأخطار إجهاض أطفال غير مرغوب بهم، وجعل المتعة الجنسية غاية لكلا الجنسين يسعيان اليها.. وفي هذا الوضع لا يخسر الرجل شيئا وتخسر المرأة كل مقومات حياتها. ويكون وضعها أشبه بوضع المرأة في الجاهلية قبل أن تتشكل الأسرة الملزمة للرجل بحقوق المرأة التي تكون زوجة شرعية له ولو تعددن.


 

مؤسسة الزواج الإسلامية

 

قضت على الرق

إن معركة حنين تعطي صورة واضحة عن موقف الرسول حين رفض جنده إعادة الأسرى الى مالك بن عوف الذي دخل الإسلام مع جماعته بعد الهزيمة .

"حقكم أن تطلبوا الغنيمة، ولكن أيا من رجالكم يتخلى عن نصيبه من الأسرى سوف يتلقى مني ست شياه مقابل كل رأس".

كان المحاربون المسلمون ينظرون الى النبي كقائد حربي يقودهم الى النصر ، وهم يصرون كما اعتادوا في الجاهلية على امتيازاتهم الحربية وحقهم في الحصول على الغنائم والأسرى.

والرسول الرائع في رسالته العظيمة المحررة للإنسان يصبح في هذا الموقف تحت رحمة جنده وعليه أن يفاوضهم ليحصل منهم على تنازلات، مقدرا ببعد نظره أن رسالته اذا انتصرت، وأن هؤلاء الجنود اذا حسن إسلامهم سيتخلون عن رواسب جاهليتهم، وأن من الأفضل أن يلغى نظام الرق بالتدريج من أن يخسر جيشه الذي هو أداة النصر لرسالته.

ويصر على تحرير كل من دخل الإسلام من العبيد، ففي حصار الطائف يستجيب عبيد لنداء النبي ويتركون الحصن ويلتحقون به عندما يعلمهم أنهم اذا اعتنقوا الإسلام سيصبحون رجالا أحرارا.

ان مؤسسة الزواج في الإسلام كانت تبيح للعبيد دخولها وجعل ذريتهم أحرارا فلقد سمح في التشريع الإسلامي بزواج الرجال والنساء الأحرار من العبيد المسلمين. وكان ربيبه زيد بن حارثة عبدا معتقا أوكل اليه مهمات حربية وزوجه ابنة خاله زينب بنت جحش. وأعلن في الإسلام أن الولد المتولد من قران بين رجل حر وامرأة رقيقة هو ولد حر ، وأن "أم الولد" تعطي للأمة الحق بأن يكون أولادها أحرارا، وبعض هؤلاء الأبناء أصبحوا خلفاء ، وغيرهم استلموا مراكز قيادية في الدولة الإسلامية وكان منهم القواد والعلماء والخزنة. وهذا كان مستحيلا في الأنظمة الوثنية قبل الإسلام اذ كان المولود من أب عبد أو أم جارية يبقى في مؤسسة العبودية الى الأبد.

لقد ضرب النبي الأمثلة في تحرير الرق، وحض القرآن على فك الرقاب كعمل من أعمال البر والتقوى "وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم" (النور آية33) أما أسرى الحروب من المشركين وغير المسلمين فإنهم إن كانوا من أصل عريق يستطيعون فداء أنفسهم بالمال والباقون يصبحون غنيمة للمسلمين. ومع الفتوحات كبرت مؤسسة الرق التي تجلب عناصرها مباشرة أو تجاريا من بلدان خارج دار الإسلام. ومع ذلك لم يشكل الرقيق طبقة منتجة في بلاد الإسلام كما كانت الحال في الإمبراطوريات الوثنية القديمة الا نادرا، بل ان الرقيق كان يستخدم للخدمة في القصور ، أو يدرب تدريبا عسكريا للمشاركة في الحروب . وكثيرا ما كان بعض هؤلاء يصبحون قادة وحكام ولايات وحرس ملوك وسلاطين. وامتلأت القصور وبيوت الأغنياء بالجواري اللواتي جيء بهن من كل أقطار المعمورة . وبما أن المسلم كان يستطيع أن يعدد الزوجات، وتحل له إماؤه فكثيرا ما كانت الأمة تحرر ويتزوجها مالكها وتصل عن طريق الولد الذي تنجبه الى أرفع مستويات المجتمع الإسلامي والى الحقوق الكاملة للمرأة المسلمة الحرة. وإن أصبحت أما وهي أمة ولا يرغب في تزوجها لا يحق له بيعها وتحرر بعد موته.

كان المجتمع الإسلامي يصفي نظام الرق تدريجيا ، فهو منذ بواكير دعوته جعل من تحرير العبيد هدفا أساسيا له ولم يترك مناسبة دون الحض على تحرير الرقاب فجعلها مثلا في مقدمة الكفارات الواجية لكل من استطاع وقد تعدل كثيرا الموقع الإجتماعي للعبيد في دار الإسلام  وفي عملية الإنتاج في الحالات التي يكون فيها العبد منتجا في غير قطاع الخدمات بحيث أصبحت الملكية العبودية علاقة اجتماعية لا تلزم العبد بأكثر من تأدية أتاوة لمالكه ويكون بعدها حرا بمسكنه وعائلته وعيشه، فيمارس في عمله أساليب أي حرفي حر آخر.


 

المرأة المسلمة والإنتاج

هناك مقولة يتبناها الإشتراكيون وهي أن العمل يحرر المرأة ، ويحيطون العمل الإنتاجي للمرأة بهالة من القدسية. وعندما احتاجت المجتمعات الإشتراكية الى وفرة في اليد العاملة المنتجة للتنمية جروا النساء جميعا من بيوتهن الى العمل خارج المنزل لإنتاج السوق والخدمات وتركوا فراغا في الأسرة ورعاية الأطفال لم تحله الحاضنات. وفرضوا عليها عملا مرهقا وساعات عمل طويلة دون أن يستطيع المجتمع أن يخفف من أعبائها التي اعتادت طوال التاريخ أن تقوم بها في داخل الأسرة. وأولها الوقت الكافي لرعاية الأطفال التي هي من أولى واجباتها الأنثوية. فأصبح العمل عبودية جديدة لها ، اذ أن العمل الإنتاجي وحده لا يحرر الإنسان، والا كان العبيد في نظام الرق أول الأحرار. ان غالبية النساء في كل الأطوار  التاريخية كن منتجات: ينتجن في مهمتهن البيولوجية الخالدة الأبناء الذين هم بدورهم اليد العاملة والمحاربة التي تجر القيم المادية للمجتمع. وما كانت المرأة الى ذلك معزولة عن العمل المنتج الزراعي والحرفي ان كان هذا العمل لايبعدها كثيرا عن الأسرة التي تقوم على رعايتها. والمرأة في الإسلام ساهمت مساهمة فعالة في هذين المجالين، اذ أن المجتمع الإسلامي كان يزدهر ويتحول الى طور جديد هو طور الحرفة الحرة والتجارة النشطة تحت راية الإسلام التي أزالت الحواجز بين مختلف المجتمعات الإسلامية ووحدت السوق. وكانت الحرفة تدخل بيوت الخلفاء وعامة الناس وتساهم فيها المرأة الحرة مساهمة فعالة. ويروي الطبري حكاية المشادة التي قامت بين الخليفة موسى الهادي وأمه الخيزران فيقول الخليفة لأمه: ".. ماهذه المواكب التي تغدو وتروح الى بابك في كل يوم! أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك!..". ونقرأ في عصر المأمون للدكتور رفاعي الحكاية التالية: "وحدث الوضين بن عطاء قال "استزارني أبو جعفر المنصور، وكانت بيني وبينه خلالة قبل الخلافة. فصرت الى مدينة السلام فخلونا يوما فقال لي: يا أبا عبد الله ما مالك؟ فقلت الخير الذي يعرفه أمير المؤمنين. قال: وما عيالك؟ قلت: ثلاث بنات والمرأة وخادم لهن. فقال لي: أربع في بيتك؟ قلت : نعم. قال : فوالله لردد ذلك علي حتى ظننت أنه سيمولني. قال: ثم رفع رأسه الي فقال : أنت أيسر العرب، أربع مغازل يدرن في بيتك!..". نلاحظ هنا أن الخليفة عد الزوجة وبناتها كعاملات على المغازل  وأخرج الخادم من هذا العدد، وهو أمر يدل على أن الخادم لا تشارك في عملية الإنتاج الحرفي الا بتأدية الخدمات بينما السيدة وبناتها ينخرطن في عملية إنتاج السلع ، إنتاج الغزل وأشباهه وكل أنواع الحرف التي يعمل بها رب الأسرة الذي كان يقوم بدور رب العمل الإنتاجي المنزلي. وليس معنى هذا أن العبيد لم يكونوا يشاركون أبدا في الإنتاج في المجتمع الإسلامي ولكن الأسلوب السائد كان عمل الأحرار.

ان تبني الإسلام لشكل تعدد الزوجات ترتب عليه العديد من الإلتزامات بالنسبة للنويات التي يشكلها الرجل ضمن أسرته.

1 - يجب أن يكون الرجل قادرا ماديا على ذلك.

2 - نهى الإسلام أن يكون الزواج بغرض الوصول الى ثروات النساء الأرامل أو الإجحاف بحقوق اليتامى فهو مسؤولية تجاه نواة سقط عائلها في المعركة وليس موضوع كسب واستغلال. فعلى الرجل أن يكون وصيا عليها يحفظ حقوق اليتامى وأموالهم من زواج سابق حتى يبلغوا أشدهم وتنميته لهم.

كان الإسلام أكثر ما يكون رعاية لليتامى الذين تأتي بهم الزوجة الى أسرة متعددة النويات والمحافظة على حقوقهم المالية خوف أن تتشابك مع ثروة الرجل فيحرمهم منها بحجة من الحجج فهي أمانة في عنقه عليه أن ينميها لهم ويردها لهم مع أرباحها حين يكبرون اذا استخدمها كرأسمال له.

"وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم انه كان حوبا كبيرا "(النساء 2)

"وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا". (النساء 3)

"وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فاذا دفعتم اليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا". (النساء5)

"ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا". (النساء 127)

3 - الرجل ينفق على زوجاته بالتساوي، وعلى عياله وعيال زوجاته.. وبما أنه يضطلع بدور مدير الانتاج في الأسرة فهو المسؤول عن السكن والقوت والكسوة وسائر أموال النفقة.

لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.

أسكنوهن من حيث سكنتم.

لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله.

4 - بني الأسلام على مبدأ انفصال الملكية بين الزوجين حتى تحتفظ المرأة بالثروة التي أتتها من أهلها أو من زواج سابق أو من عملها كمنتجة في المجتمع الحرفي الإسلامي لنفسها وأولادها دون أن يقاسمها الرجل أو النويات الأسرية داخل المنزل إياها.

ان العمل الإنتاجي للمرأة المسلمة لم يتوقف الا في تلك المرحلة التي انهارت فيها الحرفة وأخذت المجتمعات الاسلامية في الإنتقال الى الطور الرأسمالي؛ فمع انهيار الحرفة وقيام الثورة الصناعية في الدول الرأسمالية حدث كساد في المجتمع الحرفي في الشرق وأخذ بالتخلف والإنحطاط المستمرين، وفقدت المرأة المسلمة عملها كمنتجة وعانت من البطالة كما عانى الرجل، وأخذت تقوم فقط بالإنتاج التوفيري المتخلف ضمن الأسرة. بل ان الأسرة الكبيرة الحرفية انفرطت نتيجة لذلك ، وغير الوضع الجديد الأنماط الإجتماعية للعلاقات الأسرية ، اذ أن الرجل أصبح ، تحت ضغط الواقع الإقتصادي الحرفي السيئ وبطالة المرأة يميل الى التخلي عن تعدد الزوجات والإكتفاء بواحدة بسبب تدني المرأة كقيمة منتجة، (كانت المرأة تنزل عن طيب خاطر بريع عملها الإنتاجي الى زوجها ان وجدته في ضائقة) ولكن هذا الوضع بالذات الذي لم يحدث لأسباب صحية في المجتمع كنمو الوعي وتقديرأكبر لطاقات المرأة المبدعة، وإتاحة الفرص لها لتؤكد ذاتها وكفاءاتها، وما يتيحه لها العمل خارج المنزل من استقلالية لم يحرر المرأة وانما جعلها ظلا للرجل وقصر طاقاتها على القيام بالخدمات المتخلفة.  ولقد استطاع الرجل أن يتكيف مع التغير الإقتصادي للمجتمع، فلا العادات ولا التقاليد ولا الإلتزام تجاه الأسرة والجيل الجديد تمنعه من ممارسة العمل خارج المنزل. أما المرأة المسلمة فلقد وجدت صعوبة كبيرة في مثل هذا التكيف بسبب الحجاب، وعدم استعداد المجتمع المسلم لاثقافيا ولا اجتماعيا بقبول عمل المرأة خارج المنزل حتى عندما كثرت الأعباء على الرجل في إعالة أسرة كبيرة العدد دون معين. ومع ذلك شقت المرأة طريقها، ووجدت لها مكانا. وما عاد أحد يرفض عمل المرأة الا الذين يجهلون دورها الإنتاجي في المجتمعات الإسلامية ويريدون إعادتها الى البيت والى خواء انتاجي تام، وحالة من التبعية الذليلة، ويجعلون من جنس بكامله، وبكل ما يجيش فيه من طاقات مبدعة مجرد خادمات بيوت وتفرض عليهن مهام توفيرية بوسائل متخلفة تستنزف كل وقتهن وجهدهن..

لقد حررت الثورة الصناعية المرأة ، الى حد ما، في المجتمعات الرأسمالية. فبمجرد انتقال مركز الإنتاج من الأسرة الى المصنع، واستيعاب الصناعات لعمل المرأة بالإضافة الى عمل الرجل، وحصولها على الأجور، واستقلالها الإقتصادي حررها من سلطة الرجل داخل الأسرة، وان كان عملها المأجور وعمل الرجل سواء بسواء قد يكونان مستغلين فلا يحققان للأسرة ما تطمح اليه من رفاه بمشاركة المرأة في العمل. ولكن الإزدهار الصناعي وتطور المجتمع ثقافيا لكلا الجنسين أتاح للمرأة فرصا كثيرة لتبرز إمكانياتها في مجالات هامة إدارية وتعليمية ومهنية حرة وخدمات خارج نطاق الأسرة، ولتتأكد معها استقلاليتها، وبالتالي أهمية وزنها الإجتماعي ، فيكون لها دور في المشاركة في اتخاذ القرار على نطاق فردي وأسري ومجتمعي. ومما لاشك فيه أن وضع المرأة في المجتمع الصناعي هو أكثر تطورا بما لا يقاس منه في المجتمع الحرفي في حال ازدهاره ، فكيف به في حال تخلفه؟ بالرغم من كل الحجج التي يسوقها الذين يريدون التمسك بنظام إقتصادي قد انهار عمليا وانهارت معه علاقاته وقوانينه.

ان من أولى واجبات المرأة المسلمة في مجتمعنا أن تسعى للتخلص من البطالة التي فرضتها عليها ظروف المجتمع، والخروج من المنزل الى الأعمال الإنتاجية على شرط أن لا يكون الأمر ملزما لها، فكثيراً ما يكون دورها الإجتماعي داخل المنزل أكبر أهمية وأكثر مفعولاً من عملها خارجه، وهذا الأمر تقرره هي بنفسها ويقرره معها زوجها ووضعها ولا يفرضه عليها المجتمع فرضاً. وعليها أن تناضل من أجل مجتمع ييسر لها العمل دون إرهاق ويأخذ بالاعتبار واجبها البيولوجي الآخرالأهم، وهو إنجاب الأطفال ورعايتهم فيكون للأسرة تلك الخصوصية التربوية وذلك التلاحم والتعاطف الذي ينشأ بين الآباء والأبناء، ولا تستطيع الحضانات وحدها التعويض عنه. ولكن لا بد من التأكيد على أنه لا يمكن للمرأة في مجتمعاتنا أن تكون ذات فعالية وتشارك في القرار الاجتماعي مالم تحدث تلك القاعدة الواسعة من إنتاجية المرأة في المجتمع.

يسرى الأيوبي